موسم طانطان.. احتفاء عالمي بثقافة الرحل وترسيخ لهوية المغرب الصحراوية

وسط أجواء غامرة بالفخر والانتماء، انطلقت مساء الأربعاء 14 ماي الجاري فعاليات الدورة الثامنة عشرة من موسم طانطان، بساحة السلم والتسامح، بإقليم طانطان. هذا الحدث الثقافي البارز، الذي تنظمه مؤسسة ألموكار تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يمتد إلى غاية 18 ماي، ويحمل هذه السنة شعارا دالا: “موسم طانطان: تراث عالمي غير مادي، شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل.”
عرف حفل الافتتاح حضور عدد من الشخصيات البارزة، من ضمنها رئيس مؤسسة ألموكار السيد محمد فاضل بنيعيش، وعامل إقليم طانطان، بالإضافة إلى ممثلين عن السلطات المحلية، ومسؤولين عسكريين ومدنيين، وفعاليات ثقافية واقتصادية. وقام الوفد الرسمي بجولة في الخيام الموضوعاتية التي تعكس ثراء وتنوع الثقافة الحسانية، مثل “قرية دار الصانع”، وخيمة وكالة الجنوب، إلى جانب رواق إماراتي متميز يشرف عليه “هيئة أبوظبي للثقافة والتراث”، في تجسيد حي لعمق الشراكة الثقافية المغربية-الإماراتية
اليوم الأول من المهرجان تميز بعروض تراثية غنية، شملت موكب الإبل، وعروض التبوريدة، وسباقات الهجن، التي تجسد البعد الرمزي للإبل في الحياة اليومية للرحل. كما شهد مشاركة بارزة لدولة الإمارات العربية المتحدة، في تقاطع ثقافي ثري يبرز أوجه التشابه بين الثقافة الحسانية ونظيرتها الخليجية.
في كلمته الافتتاحية، أكد محمد فاضل بنيعيش أن هذه الدورة تأتي استجابة للتوجيهات الملكية السامية الهادفة إلى حماية التراث غير المادي وتثمينه، مع الإشارة إلى الجهود المبذولة من قبل المؤسسة وشركائها لإحياء الموروث الصحراوي، خاصة المرتبط بالإبل، باعتباره عنصرا اقتصاديا وثقافيا أصيلا.
حملت هذه الدورة بصمات تجديدية واضحة، إذ تم إدماج فضاءات جديدة مثل قرية الأطفال وفضاء الألعاب التقليدية، إلى جانب تنظيم عروض فنية وشعرية وندوات ثقافية واقتصادية، مما يعزز من مكانة الموسم كمحرك للتنمية الترابية المستدامة، وكرمز للتلاقي الثقافي بين المجتمعات.
منذ إدراجه سنة 2005 ضمن التراث الشفهي غير المادي للبشرية، وتسجيله رسميا سنة 2008 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، ما زال موسم طانطان يؤكد مكانته كحدث ثقافي عالمي. فبمشاركة أكثر من ثلاثين قبيلة من جهات المغرب ودول أخرى، تتحول طانطان كل سنة إلى ملتقى حي لثقافة الرحل وتقاليدهم، حيث تمتزج الأهازيج الصحراوية والألعاب الشعبية والحرف اليدوية، في فسيفساء ثقافية غنية تبرز عمق الانتماء الصحراوي للهوية الوطنية المغربية.
رغم الطابع التقليدي للموسم، إلا أن تحديات العصر تدفع إلى التفكير في سبل تطويره دون التفريط في أصالته. ومن هنا تبرز أهمية الرقمنة وتوثيق الفعاليات باستخدام الوسائط الحديثة، لتوسيع نطاق تأثير المهرجان دوليا، وجذب جمهور رقمي يواكب مستجدات العصر.
ويمكن لموسم طانطان أن يتحول مستقبلا إلى تجربة رقمية شاملة، تتيح التفاعل عن بعد مع فعالياته عبر تقنيات الواقع المعزز والبث التفاعلي، مما يجعله نموذجا للانصهار بين التراث والتكنولوجيا.
ليس موسم طانطان مجرد احتفال سنوي، بل هو تظاهرة حضارية تعكس روح التسامح والتعايش، وتجسد الرسالة الثقافية للمغرب كأرض للعبور والربط بين الثقافات. إنه شهادة حية على غنى الموروث الحساني، وعلى قدرة الثقافة الصحراوية في التأقلم، الاندماج، والاشعاع في زمن العولمة.