فنان الراب مسلم بين حدود الجرأة وانزلاق المعنى… مقاربة نقدية لفيديو كليب “خمري

في صبيحة يوم العيد، حيث يعلو التكبير وتسمو الأرواح بذكر الله اختار الفنان محمد مزراوي الملقب بـ”مسلم” أن يطل على جمهوره بكليب جديد تحت عنوان “خمري”، عنوان يشي منذ الوهلة الأولى بانزياح صارخ عن القيم والمناسبات بل وبنوع من الاستفزاز المتعمد للمقدسات والمشاعر الجماعية.
الفيديو كليب، الذي جاء مليئا بالمشاهد الاستعراضية، اختتم بمشهد احتفالي يحمل رسائل مبطنة عن “الحرية” و”النجاح” و”التمرّد”، مصحوبا برموز الخمر واللهو، في لحظة لا تتناسب لا مع السياق الديني للعيد، ولا مع ما يفترض أن يكون عليه الفنان من وعي بمسؤوليته الرمزية داخل المجتمع.
لكن أكثر ما يثير الاستغراب بل القلق هو تصريح مرافق للكليب أو ورد في إحدى المقاطع، يقول فيه “موسيقتي كتمزك الملائكة والشياطين” إذ أن هذه العبارة ليست فقط مبالغة شعرية أو مجازا فنيا بل تجسيد صارخ لتشوش المفاهيم واختلال البوصلة الأخلاقية والفكرية، فالملائكة في كل الديانات رموز للصفاء والطهارة والشياطين رموز للفتنة والفساد، و الجمع بينهما في “تناغم” موسيقي، حتى لو على سبيل المجاز يشير إلى رؤية فنية مشوشة ترى في التضاد تميزا وفي العبث إبداعًا.
هذا وحين تتحوّل “الجرأة” الفنية إلى مجرد تحدٍ مجاني للثوابت، يفقد الفن معناه، ويغدو صوتا أجوف يصرخ للفت الانتباه فقط لا لإيصال قيمة أو رسالة ، حيث ان الأخطر من ذلك أن يكون هذا الصراخ باسم “التمرد” و”الصدق الفني”، بينما هو في حقيقته تسويق مقنّع للفراغ واستعراض مبالغ فيه لذات تبحث عن وهج اللحظة لا عن أثر باق في الذاكرة الثقافية للمجتمع.
وكما هو معلوم أن الفنان الحقيقي ليس من يكسر الرموز ليصير “مختلفًا”، بل من يعيد تشكيلها بإبداع يحترم وعي الناس ومشاعرهم ومقدساتهم، فما الفائدة من أن “تتناغم الملائكة والشياطين” في موسيقاك، إن كانت هذه الموسيقى تفقد صلتها بالواقع، وتخدش الذوق، وتزرع في الأجيال مفاهيم مشوهة عن التمرّد والحرية؟
والسؤال الذي يُطرح نفسه بإلحاح هو إلى متى سنسمح لبعض “الفنانين” أن يحوّلوا الفن إلى منصة لترويج الاستفزازات الرخيصة، على حساب الذوق العام والهوية المجتمعية؟
ربما آن الأوان أن نقول بوضوح،
الحرية لا تعني الإساءة وكذلك الاختلاف لا يعني الإنحلال، والفن بلا قيم لا يساوي شيئًا.