دم متجدد في الإدارة والعرض المسرحي المغربي … لطيفة أحرار – أمين ناسور

دم متجدد في الإدارة والعرض المسرحي المغربي … لطيفة أحرار – أمين ناسور
محمد مجاهد:

تعد الفنانة لطيفة أحرار نقطة ضوء في الساحة الفنية، فيما تعلق بالتدبير الإداري الذي طالما ارتبط باستيراد مدرائه من خارج الحقل الفني. و لعل هذا كان من شأنه إسقاط الأفراد داخل هذا الحقل المسيج بضوابطه الفنية المتينة، التي لا يمكن أن يتوفر عليها غيرالمتخرج من أكاديمياته و مؤسساته التكوينية العليا. وقد تسبب ذلك في إضعاف المردودية الإدارية التي لا تتناسب و باقي الإدارات في التسيير و المواكبة، لأن أسرة الفن لا تعتمد في اشتغال الفنان على مساطر توظيف تجعل إدارته تتبع نفس مناهج باقي القطاعات الإدارية الأخرى. فالفنان يحتاج إلى مواكبة خارج المؤسسة الإدارية خاصة وانه لا يشتغل في مكتب و لكن يقدم حياة مصورة في إطار أعمال تبتدئ و تنتهي، تتبنى إبراز ومناقشة مواقف إنسانية تتعدد بتعدد و تنوع مصادر الحياة الإنسانية داخل الكون، انطلاقا من منظومة حلقات مغلقة بين طاقمين: فني و تقني.
يقدم الفنان مهامه بعيدا عن المؤسسة الإدارية في علاقة مشتركة كل حسب خانة انتسابه في الكتابة /الإخراج /الإنتاج/التشخيص أو تشغيل الآلة التقنية . و قد تترسخ علاقته مع مؤسسة حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، التي لا ننظر إليها من باب كونها تقدم إعانات بقدر ما تعطي أجرا مستحقا لكل فنان حسب مساحة انتشار عطائه أمام المتلقي في كل ربوع المملكة و خارجها. و قد يحصل الفنان قبل كل ذلك على تكوين أساسي داخل مؤسسات جامعية و مهنية عليا ، بل قد تعتبر كل مساحة اشتغاله الفنية مجالا للتكوين المستمر. لذلك هي الخدمة الإدارية داخل الحقل الفني يجب أن تدبر بأسلوب يتماشى و حياة الفنان ، حيث أنه لا ينتظر أجرة شهرية أو ترقية أو عطلة أو حتى إحالة على التقاعد … كل هاته الأمور من شأن الموظف في قطاعات أخرى أما الفنان فحاجته تفوق ذلك إلى تخصيب مساحات المشاركة في أعمال فنية وفق ضوابط مناسبة تحفظ كرامته. لذلك كانت الدعوة صريحة بتوقيف استيراد الموظفين المشرفين داخل مختلف المؤسسات الفنية ، طالما لدينا خريجين مكونين بشواهد مختلفة أكاديمية و مهنية يستطيعون ملء فراغ المكاتب داخل المركز السينمائي المغربي كما هو داخل باقي المؤسسات الفنية بكل مستوياتها .
و يأتي تعيين الفنانة لطيفة احرار على رأس المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي خطوة مهمة في تحقيق المعادلة ، و خلق مناصب شغل إدارية تفتح أبوابها أمام الفنان . و قد لاحظنا الكثير من التغيير على مستوى التدبير الإداري لهاته المؤسسة الأكاديمية الفنية ، خاصة فيما تعلق بتمتين العلاقة بينها و بين الطالب من جهة و أخرى بينها و بين الفنان الممارس ، بعدما كان يسودها في سابق عهدها ضباب يحجبها عن محيطها الخارجي ، بل كان المتخرج منها ينقطع حبل آصرته بها بمجرد إنهائه سنوات تكوينه .
لم نقف عند تعيين الفنانة لطيفة أحرار، بل نعدو ذلك إلى ما وازاه من تعيين للفنان حكيم بلعباس على رأس المعهد العالي لمهن السمعي البصري بالرباط و مجموعة من التعيينات لمدراء مركبات ثقافية و وموظفين بمصالح الثقافة ، و نأمل في ازدهار مساحات التوظيف ، التي من المنتظر أن تطال وزارة التربية و التعليم لتوظيف أساتذة في شعب فنية متخرجين عن المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي و ذلك حماية للدرس الفني من الانزياح نحو الخطإ مع أساتذة غير مؤهلين لتدريس المسرح و السينما و مختلف باقي الشعب الفنية ، كذلك مشرفين على الأندية السينمائية بالمدارس . لأن من الملاحظ أن هذه الأندية تدار من طرف أساتذة أو إداريين تربويين يجهلون المفهوم السليم للسينما و لمختلف شعب الفنون .وأمام التوجه التربوي التعليمي نحو بناء مقرر فني أو بالأحرى تأسيس أندية فنية موازية ، تنشط في إنتاج برامج سينمائية و مسرحية متعددة كما تتبنى مهرجانا وطنيا في الفيلم التربوي ، هذا يتطلب انفتاحا أكبر من طرف الجهة الوصية على الحقل الفني و خاصة بتوظيف أساتذة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي ، لأن هؤلاء هم دون غيرهم مؤهلين للإشراف سواء على الدرس أو الأنشطة التطبيقية أو الإعداد لتظاهرة سينمائية . ذلك حتى تتمكن المدرسة من الخروج من ضيق مساحة مفهوم السينما فيما تعلق بالفيلم التربوي ، و السليم أن السينما تربوية في عمومها ، ليس هناك فيلم لا يحمل قيمته التربوية ، كما لا يمكن اعتبار الفيلم التربوي هو كل فيلم تعلق بالقسم و الأستاذ و التلميذ. إن الاشتغال المدرسي على السينما بهذا الشكل ينتج أفلاما مدرسية في إطار هواياتي بعيد عن الحقل السينمائي ، و ما نحتاجه هو سينما بمفهومها السليم ، يشارك فيها الفنان بالدرس و التطبيق لأن الهدف هو تعليم التلميذ و الطالب و توجيه الموهوبين منهم .
إذا كنا استشعرنا خيرا في إدارة مؤسسات و برامج الحقل الفني ، فإننا نستشعر خيرا كذلك في بروز أشخاص اجتهدت في تكوينها الفني داخل هاته المؤسسات، صقلت موهبتها و بدأت تظهر معالم مدرسة خاصة في إنتاج النص المسرحي ، وسوف نخلص إلى ذكر المسرحي المغربي أمين ناسور خريج المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي و أستاذ المسرح في مادة التنشيط بنفس المعهد و طبعا مخرج مسرحي و ممثل .
أمين ناسور ظاهرة مسرحية مغربية آنية ، سيؤسس لا محالة لمدرسة ناجحة ، خاصة و أنه ظهر ناجحا فشاع إسمه مقرونا بجوائز خارجية و داخلية . و هو ما أهله ليرسم خطوه بوضوح علنا على خشبة المسرح المغربي و لازال يواصل تثبيت قواعده التي ستساعده على بث إشعاعه المسرحي و توطيين إقامته الفنية و توطيد علاقته مع الجميع . لقد اشتغل الفنان أمين ناسور على نصوص متعددة اعتمد فيها على تجديد المشهد المسرحي المغربي في تعامله مع الصورة و الإنارة و التعبير الجسدي ، كما حبذ في الكثير من أعماله التفاعل المباشر مع الجمهور / مسرحية جداريات / . ليس للفنان أمين ناسور توجها معينا داخل الحقل الفني المسرحي المغربي فهو يشتغل على النص الاجتماعي / صباح و مسا/ ، كما قد يشتغل على النص الفلسفي و قد يعتمد على مناقشة الجسد كما في نصه / النمس/ . إذن تتعدد موهبة هذا الفنان المسرحية المكونة داخل المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي ، و هذا ما يؤكد أهمية التكوين و ضرورته في اختيار الشخصية الفنية المناسبة في كل عمليات الاشتغال المسرحي ، السينمائي أو التلفزيوني .
و قد يعود بنا القول إلى حتمية وجوب تخصيب مساحة اشتغال الفنان المغربي ، و تنويع مواضيع الكتابة داخل الحقل الفني حتى يحصل الجميع على فرصته في الإبداع التشخيصي المحترف الذي يناسبه. وهذا يلزم القائمين على الميدان بتشجيع الكاتب الذي يعتبر أول حلقة فاعلة في كل المنظومة، و تمتيعه بحصانته الواجبة و تسييج فضائه أمام الآخرين ، لأننا نقول دائما : ليس كل من حمل قلما كاتبا . الكاتب الحقيقي هو من يتحمل مسؤولية تنويع هذا العطاء الموضوعي بين مختلف صور الكتابة في الكوميديا و الدراما و غيرهما . كما أنه ملزم أحيانا على الاشتغال وفق شخصيات بعينها مع تغيير للمواقف للابتعاد عن منح فرصة للنمطية للتوغل داخل عمق المشخص المعني .
و كخلاصة لهذا المقال نحاول أن نبين للجميع أو بالأحرى نناقش مع كل الفاعلين، الممارسين منهم أو من تحلوا مكانة التدبير الإداري لمختلف مصالحه أن الحقل الفني المغربي حقق استقلاليته عن باقي المجالات الأخرى بفضل مؤسساته التكوينية العليا ، التي تسهم في تخريج فوج سنوي مؤهل لضبط كل الضوابط التي من شأنها تقدم المجال و ازدهاره إن على مستوى التسيير و مسك سجلاته الإدارية أو الممارسة في تكوين و تعليم التلاميذ و الطلبة داخل المؤسسات التعليمية، ناهيك عن الممارسة الفنية بكل أصنافها .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *