المغرب يراهن على صناعة الألعاب الإلكترونية كقاطرة جديدة للاقتصاد الرقمي والإبداعي

في قلب المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله لم يكن الأمر مجرد معرض. لقد بدا وكأن الزمن انشق، ليفتح بابًا على مغربٍ مغاير، تُصاغ فيه معاني الإبداع بأدوات المستقبل، وتُعيد فيه التكنولوجيا رسم حدود الثقافة، لا بوصفها ترفًا، بل باعتبارها اقتصادًا ووجدانًا.
“Morocco Gaming Expo 2025”، في دورته الثانية، ليس حدثًا تقنيًا فحسب، بل تظاهرة ما بعد حداثية بامتياز. تظاهرة تُجسّد رؤية دولةٍ تراهن على ذكاء شبابها، وعلى قدرتهم ليس فقط على استهلاك اللعبة، بل على تصميمها، سردها، تحريكها، وتصديرها كمنتج معرفي، فني، وتجاري.
لا يتعلق الأمر بصناعة الترفيه وحدها، بل بـ هندسة جديدة للخيال المغربي. هنا، تصبح اللعبة امتدادًا للصورة السينمائية، والتحريك شريكًا للسيناريو، والذكاء الاصطناعي أداة جديدة في يد مبدعٍ قد يأتي من مراكش أو مكناس أو تمارة. فجأة، كلّ شيء ممكن.
لقد بدا المشهد كما لو أن السينما، وهي الفن الذي وُلد من رحم الحكي البصري، وجدت في الألعاب الإلكترونية حليفًا لا منافسًا. كلاهما يشتغل على المشهد، على الإيقاع، على التفاعل. لكن الفارق أن اللعبة تُشرك اللاعب في نسج الحكاية، في توجيه المصير. ولهذا، فصناعة الألعاب ليست مجرد تقنية، بل هي سينما تشاركية، مفتوحة، حية.
من بين الفضاءات المضيئة التي عبّرت عن هذه الرؤية، كانت فضاءات التصميم والتحريك، حيث اصطفت شركات ناشئة وطلبة وفنانون بصريون لتقديم مشاريع هجينة، تستلهم تراث المغرب، وتعيد تركيبه بلغة البرمجة، والواقع الافتراضي، والحركة ثلاثية الأبعاد. إنها مغربة المحتوى الرقمي، لا بالشعارات، بل بالفعل.
الوزارة الوصية – بشهادة الجميع – لم تكتفِ بتنظيم المعرض، بل دفعت إلى بناء منظومة: تكوين، مواكبة، استثمار، رؤية واضحة. التحدي المعلن: تحقيق 1% من السوق العالمية بحلول 2030. والطموح غير المعلن: خلق جيل من المبدعين الرقميين المغاربة، يعيدون تموقع المغرب لا كمستهلك، بل كمنتج للخيال العالمي.
لكن الحلم لا يكتمل دون الكفاءات. وقد جاءت شهادات العارضين والمختصين لتؤكد وجود خصاص كبير في التكوين، وهي نقطة ضعف تتحوّل اليوم إلى ورش استراتيجي. ولعل الجامعات والمراكز المتخصصة مثل مركز ابن طفيل بالقنيطرة تُمثّل بؤر إشعاع حقيقية، إذا ما تم ربطها ببرامج حاضنة، وشبكات إنتاج وتوزيع.
المعرض كشف عن شيء أكبر من حجمه: نحن أمام نقلة ذهنية، حيث لم تعد الصناعة الثقافية رديفًا للورق والحبر والكاميرا، بل فضاءً تكنولوجيًا يتقاطع فيه السيناريست مع المهندس، والمخرج مع مطوّر البرمجيات، والفاعل الثقافي مع المستثمر الجريء.
إن “Morocco Gaming Expo” لا ينبغي أن يُقاس بعدد الزوار، ولا بعدد الشاشات أو الأروقة، بل بقدرته على نقل المغرب من هامش صناعة الألعاب إلى قلبها، ومن موقع المتفرّج إلى موقع المنتج والمنافس. لقد رأينا في هذه الدورة ما يكفي من الإرهاصات لنقول: الخيال المغربي بدأ يبرمج ذاته.