الطائر الذي يجيد التقبيل
إلى صديقي فؤاد اجعيدي
حدثني صاحبي فؤاد فقال:
ريكو طائر جميل يقيم في مدينة سطات .
جاء إلى المدينة رأسا من قلب أفريقيا. فسكنها وغدا شاويا .
تكونت وشيجة بينه وبين مالكه السيد هشام، صارا صديقين.
ولم يدخر هشام جهدا في توفير كل ما يحتاجه من أكل حتى إنه كان يجلبه له من إسبانيا وتحديدا من المنطقة الأندلسية. أجهل سبب جلب الطعام له من خارج المغرب، لكن هذا ما كان يفعل بين الحين والآخر. أليست العطور بمختلف أنواعها وألوانها متوفرة في البلاد؟ ومع ذلك نرى أو نسمع من يسعى إلى اقتناء عطر من قلب شانزليه بباريس.
و ذات يوم مرض الطائر فمرض صاحبه هشام، كما يحدث لتوأمين، فغالباً ما يرتبط التوائم ارتباطا عاطفيا ونفسياً يجعلهم يشعرون بآلام بعضهم البعض، يصل أحياناً لحد وجود حالة من التخاطر حيث يشعر كل منهما بمشاعر الأخر عن بُعد مما يدفعه لأن يشاركه في الألم والفرح.
ولم تعد لوحة هشام الإلكترونية تفارقه، حيثما حل وارتحل، يتصل عبر الشبكة العنكبوتية بمربي هذا الصنف من الطيور في مدن أوروبية، يسألهم عن كيفية علاجه.
قيل له ربما هي حالة زكام.
العارفون بالطيور طمأنوه إلى أن حالته لا تدعو إلى القلق. لكن هشام لم يطمئن لحالة ريكو الذي فقد نشاطه وخفته وحيويته، لم يعد يحييه في الصباح، ولم يعد يرفرف بجناحيه راقصا. بلغ قلق هشام مداه، فلم يعد يجرؤ على الذهاب به إلى الحديقة العمومية، كما كان يفعل في السالف من الأيام.
لم أتخيل أن يصير هذا الطائر قطعة من كبد صديقي هشام.
انشغلت بحالة صديقي هشام، فكنت أزوره كلما سنحت لي الفرصة لأطمئن على حالته، وأسأل عن حالة طائره.
كنت على يقين تام أن تحسن حالة هشام النفسية المضطربة رهين تحسن حالة ريكو.
كان العارفون بالطيور على حق، فبعد أسبوعين من المعاناة النفسية، شفي ريكو من وعكته وعاد إلى صخبه، وإلى لغوه، فارتاحت نفس هشام، وشفي هو أيضا.
تعددت زيارتي لصديقي هشام، وللحقيقة، كنت مدفوعا إلى ذلك، فقد أحببت أنا أيضا ريكو. ألف الطائر زياراتي، فكان يستقبلني وهو يصيح ناطقا: ” فؤاد.. أواو..فؤاد” وينهي ترحيبه بصفير قصير رقيق عذب.
طبيعة عمل هشام، ألزمته إلى الإقامة في الديار الإيطالية لشهر كامل، الأمر الذي غاب من ذاكرته ومن توقعاته تماما.
حار في أمر ريكو . ظل يبحث عن شخص أمين يثق فيه ليتولى ريكو بالرعاية والعناية إلى حين انتهاء مهمته بإيطاليا.
لم أكن مستعدا للقيام بالمهمة، فرغم تعلقي بالطائر ريكو، إلا أني كنت مقتنعا بعدم قدرتي على تحمل مسؤولية طائر ثمين سريع الانكسار ككأس بلور.
و وجد له في النهاية مكانا آمنا عند يوسف ابن خالته .
انتقل ريكو من سطات إلى الدار البيضاء.
استقبله أفراد أسرة يوسف بفرح عارم.
وجد ريكو السعادة والراحة والدلال بين أهله الجدد. صار واحدا منهم. حافظوا على نظامه الغذائي. وكانت أسعد اللحظات، لحظات تلقينه المزيد من العبارات.
مر شهر على غياب هشام، وكان الطائر يصيب أهله الجدد بالدهشة والاستغراب حين ينطق باسم صاحبه هشام، كما لو أنه يناديه أو يقول له: ” أين أنت يا صاحبي؟”
وعاد هشام، وعاد الطائر إلى حضنه الأول.
سألت هشام مرة:
ـ إلى متى سيظل ريكو عازبا؟
تبسم وقال:
ـ هذا النوع من الطيور يصعب معرفة جنسه إلا بتحليل لاديين، وهذا التحليل يجرى في مختبر خاص في فرنسا اعتمادا على عينة من ريشه.
و بالفعل بعث هشام عينة من ريش ريكو إلى فرنسا، وجاءت النتيجة أن ريكو ذكر في مقتبل العمر.
اهتم هشام بأمر زواج ريكو. صار يبحث له عن أنثى.
وضاحكا يقول لي:
ـ سوف أقيم لريكو عرسا رائعا، تدوم أفراحه سبع ليال. و سأقتني له، لليلة الدخلة، قفصا يشبه قصرا من قصور ألف ليلة وليلة..
لعلمكم، أعزائي، عزيزاتي، ريكو يجيد التقبيل.