الذات والعالم في يوميات أربعة أدباء مغاربة

الذات والعالم في يوميات أربعة أدباء مغاربة

يواصل نور الدين صدوق ، الناقد والروائي والفاعل الثقافي المغربي، مشروعه النقدي بإصداره لكتاب جديد ” الذات والعالم: دراسة في يوميات عبد الله العروي، محمد شكري، محمد خير الدين، وعبد اللطيف اللعبي” في طبعة مغربية عن دار النشر أكورا(2021)، بعد طبعة مشرقية سابقة عن دار أزمنة بعمان (2017) ،وهو الكتاب الذي يتوقف فيه عند نماذج ليوميات أربعة أعلام مغربية خاضت في جنس اليوميات، بعدما مارست الكتابة في مجالات أخرى من بينها السرد الأدبي : أولا، يوميات عبد الله العروي «خواطر الصباح» أصدرها في سلسلة من أربعة أجزاء بدأت من عام 1967 وكان آخرها ينتهي بعام 2007، وتوقفها عند التأمل في تحولات التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي بالمغرب؛ثانيا، محمد خير الدين ويومياته بالفرنسية خلال فترة معاناته من المرض؛ ثالثا، محمد شكري في مذكراته «جان جينيه في طنجة» مع الكاتبين جان جينيه وتينيسي وليامز، خلال زيارتهما للمغرب، متحدثا عن نفسه والمدينة وعلاقته باللغة والآخر؛ رابعا، عبد اللطيف اللعبي في يومياته «شاعر يمر» في الكتابة عن الذات والتأمل فيها، وسرد اليوميات بما تحويه من أسفار وأمسيات شعرية، تحكي عن ذاته والآخرين.

وقد مهد المؤلف لهذا الكتاب بتمهيد عن دواعي التأليف لخصها في ان الغاية من تأليف هذا الكتاب هي محاولة البحث في جنس أدبي لم يحقق تداوله بشكل واسع من حيث الإبداع أو التلقي النقدي، فالمنجز المتراكم في هذا الجنس، وأقصد اليوميات، من ثم لم يقتصر التأليف سوى على الأدب المغربي الحديث(ص:5). ثم قسم الكتاب إلى قسمين رئيسين، في القسم الأول النظري سعى إلى بناء التصور انطلاقا من التنظيرات الفرنسية مع بياتريس ديديه، وجورج ماي، وبيير باشي، وفليب لوجون. وهو عند بياتريس ديديه يتحدد في مكون الزمن الذي يفصل بين الكتابة اليومياتية والسيرة الذاتية والروائية وكذلك الكتابة الشذرية من جهة، ومن جهة أخرى في سمات بنائية هي المرحلية، واليومياتية، والاستمرارية، والتقدم. أما جورج ماي وهو يضيف إلى هذه المقومات أن الاستمرارية تتسم بالانقطاع، وقد تكون اليوميات مادة تستثمر في كتابة السيرة الذاتية أو الروائية، ويورد ماي مجموعة من الخصائص منها: الدقة، والمطابقة، وكل ما يتعلق بالمعنى. بينما بيار باشي فيركز على الجانب الروحي لكتابة اليوميات حينما يشير إلى أن اليوميات هي قصة خارج الزمن التاريخي، في حين يؤكد فيليب لوجون أن اليوميات تتسم بخاصية “المطابقة بين المعنى المراد إيصاله والشخصية المتحدث عنها”. ذلك أن وظيفتها تشكيل الذات وتحولاتها. ويخلص لوجون أن أدب اليوميات هو “التمثيل عن سرد أتوبيوغرافي”، ويظهر على شكل كتابة شذرية مطبوعة ببلاغة الاختصار والاختزال، فيما يرتبط المعنى بالحقيقة والصدق. وفي ذات القسم النظري الأول يستكمل نور الدين صدوق هذا البناء بالتصورات الإنجليزية متوقفا عند ميري ورنوك على فكرة استكشاف الذات، وأن إدراك الحقيقة يكون عبر الذاكرة. قبل أنم ينتقل إلى إيراد نماذج من الأدب الغربي مع سالفادور دالي الذي يكشف عن السري في حياته،أما أناييس نن فتركز على الجانب النفسي، بينما يتدخل الابن رقيبا على سوزان سونتاغ . ونفس الصيغة في التدخل والتعديل مع يوميات كافكا.

يضيف الناقد إلى هذا القسم فصلا ثانيا بانيا التصورات العربية لجنس اليوميات فيقف مع توفيق الحكيم وعباس العقاد، وهما تجربتان رائدتان في هذا المنحى. أما من الوجهة الفكرية والإبداعية العربية فالاتجاه كان نحو وعي المبدع والباحث : حليم بركات وعبد الله العروي وإلياس فركوح ثم تمثيلات من يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم ويوميات ميونيخ لحسونة المصباحي ورسائلنا ليست مكاتيب لمؤنس الرزاز وإلياس فركوح.

في القسم الثاني الأوفر والتطبيقي (ص.ص:71-187) يخوض صدوق نور الدين اليوميات الأربعة بالتحليل وإبداء الملاحظات في شأنها مع العروي وشكري وخير الدين واللعبي، ليخلص إلى كون تجربة الكتابة اليومياتية صورة تجلو واقع الذات في مراحل محددة ودقيقة، ومن ثم ، تنخرط في التأسيس لصيغة الكتابة السيرذاتية، مثلما تعكس جانيا من الاعترافات التي لم يتأت الإفصاح عنها في الزمن ذاته، والمكان نفسه.

إنّ مؤَلف “الذات والعالم” للناقد نورالدين صدوق هو دراسة نقدية قيمة سعت إلى البحث في جنس اليوميات من خلال المدارس المختلفة التي تناولته ومن خلال تطبيقات في أدب اليوميات والسيرة الذاتية والمذكرات، وأوجه الاختلاف والتشابه، واستجلاء ما تتفرد به اليوميات، والنظر إلى المشترك فيما يخص الكتابة وإنتاج المعنى، وتقديم صورة تقريبية بهدف التقعيد لهذا الجنس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *