أوراق الفنان لا تسقطها كورونا في محبة حسن علوي المراني وعبد الرحمان بن زيدان
المخرج حسن علوي المراني
عندما الم المرض بالمخرج والفنان حسن العلوي، لم يستسلم له وظل متشبثا بالحياة والوجود والإنسان، عارضا لنا ابتسامة طبيعية تنبثق من جداريات الفن ومن إبداعات الدراما. هكذا يظل حسن العلوي دوما شامخا كمحارب لهذا الوباء بالدراما لكي يبني لنا قصورا من الخيال، وعمارات على أرض التجريب، حيث يبذل قصارى جهوده لإرساء قواعد المسرح في المداشر والمدائن، إنه زيوس تحمل هم الإنسان أينما حل وارتحل، يبتسم للطبيعة والحياة، ويرسم على الصبية والشيوخ أنغام برومتيوس. هو الذي خاطب آتينا واستقر بالبيضاء، وما زال في فاس يلغي من لا يساير تطور الزمن ويقنع بالعيش (أقصد عيش النص الدرامي).
كلما جالسته إلا والأفكار والأسئلة تنثال علي انثيال أحلام الفقراء، هكذا يصنع لغته كما يحلو له ويرسم الإخراج حسب الرؤيا، عارضا براعته الفكرية والفنية والجمالية التي تنم عن قوة إبداعية وتجريبية. هكذا يسير حسن العلوي وفي يده مرآة متنوعة البناء ومختلفة الأشكال، مرة احتفالي ومرة أرسطي يوناني، ومرة تجريبي، وهذا التنوع جعلني أطرح على نفسي مجموعة من الأسئلة:
هل وجد ضالته في هذا الفضاء الدرامي؟ كيف يبني عالمه الممسرح فوق الخشبة؟ وهل هو يملك رؤيا جمالية وفنية؟
انطلاقا من هذه الأسئلة نستشف أن حسن العلوي بدأ رحلة البحث عن ذاتيته منذ أواخر السبعينيات يفكك العوالم، ويشتت الأخيلة على كل المدارس حيث اشتغل مع العديد من الممثلين والمخرجين والمؤلفين، واستنشق رائحة المسرح فأصبح هذا الأخير بالنسبة له مثل الهواء، ينبغي أن يتنفسه سواء كان في المقهى أو في القطار أو في منزله. ختاما أتمنى لصديقي وأخي المخرج حسن العلوي الشفاء العاجل وطول العمر والصحة والعودة إلى الركح.
الدكتور عبد الرحمان بن زيدان
كلما فكرت في هذا الاسم إلا وازداد اشتياقي لأكتب عنه كهرم الذي علمني كيف أصوغ العالم، وكيف أبني أبراج الكتابة الخيالية بكل ضفافها، هكذا يظل عبد الرحمان بن زيدان كطود ينقش اسمه في سجل النقد والإبداع والديداكتيك، يخالف القراءات المعيارية بلغة بسيطة لا تتجاوز ذاكرة المتلقي العربي، يملك استراتيجية قرائية تستوطن المؤجل من أجل إبراز خصوصيات الثقافة العربية، حاكم العقل العربي من خلال قضايا التنظير النقدي العربي وقرأ العديد من التيارات الفلسفية والفكرية كعبد الله العروي، وحسن حنفي، والجابري، وأدونيس، وصلاح فضل، وفوكو، وديريدا.
تجد في متونه عدة أطروحات تخالف المألوف وتزرع الاختلاف في الائتلاف، وتوحد بين الفكر والواقع، وترفض كل تجربة لا تستند عن مبادئ المغايرة، هكذا شرب من كأس معاناة البحث التجريبي لكي يوطد دعائم النقد والقراءة المضاعفة.
إن عبد الرحمان بن زيدان لا يقف عند عتبة النص بل يبحث في تفاصيله برؤية تجدرية متنوعة تجعل المتلقي العربي لا يركن للقراءة التوجيهية بل يوجهه إلى القراءة التركيبية.
فعبد الرحمان بن زيدان ليس سهل التناول بل يتطلب منا الدربة والممارسة والمعرفة. لأنه متعدد المعارف ومتنوع المناهج والرؤى، لا نستطيع أن نستنطق متونه دون أن نكون علماء الاجتماع أو فلاسفة أو فنيون، لأنه كما ذكرت يستقرئ المضمر والمنسي والمسكوت عنه بكل أبعاده الإبستيمية لكي يجعل الخطاب الدرامي خطابا مفتوحا. قابلا أن يستوعب كل الممكنات، يقول لي دوما إن النقد هو حوار فوق حوار أو كتابة فوق كتابة، والمعرفة هي التي تفتح لنا أعيننا على العوالم الممكنة والمستحيلة فليس النقد سهل المراس بل هو عنف ضد الذات المبدعة واستخراج أشكال لم يعرفها هذا المبدع، هكذا تتوالد لدي الأسئلة وتتسابق المعارف لكي أدلو بدلوي لأكتب عن هذا المفكر الذي علمني نسمة القراءة العاشقة، وكيف أكتشف بعيوني بواطن ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن، ما دام العشق والبصر هما عنصران أساسيان في كل ممارسة نقدية تجريبية، كثيرا ما كان يوحد بين المألوف والغريب والميتجد والعادي تلك العلاقة التبادلية التي يلد فيها الناقد المبدع أو يمكن أن يستعيه بالضرورة الإبداعية ليشكل بؤرة معادلة لرؤية الناقد، لأن جوهر الإبداع حسب بن زيدان ليس الأدب وحده بل الفن والفلسفي والفكري، فإزالة القشور عن النصوص المتكررة كما نراها في الساحة العربية، يجعلنا لا نركن إلى التراكم الذي ألفه عالمنا العربي بل نتذوق ونسمع ونشم ونتهيل ونبدع ونحاكم ونقاوم كل الأشكال والدلالات الثابتة، لأن سعينا هو إظهار العالم العربي ككتلة ممكنة أن تضاهي القرات المعرفية، لذا ينبغي حسب عبد الرحمان بن زيدان أن نعيد قراءة التراث العربي سواء الفني أو الدرامي أو الفلسفي أو الفكري بوعي نقدي موضوعي علمي، لذا علينا أن نوفر كل الإمكانات البشرية والمادية من أجل تأسيس قارة إبستيمية عربية تنافس القارات الخمس.
وختاما نتمنى لأستاذنا عبد الرحمان بن زيدان الشفاء الذي يذهب عنه السقم، وأن يرزقه الله صحة وعافية لإتمام رسالته التربوية والفكرية النبيلة.
د.أبو علي الغزيوي