ورقة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، حول الهجرة ومغاربة العالم.. للمؤتمر الاستثنائي المقبل:

نظرا لموقعه الإستراتيجي المتميز، شكل المغرب منذ قرون نقطة عبور و التقاء لموجات متتالية من المهاجرين من كل صوب و حدب، ما جعله دائما بلد هجرة بامتياز. و أكدت العديد من الدراسات أن تركيبة المجتمع المغربي نتاجا لهذه الهجرات، و هو ما يعكسه كذلك تنوع و تعدد تركيبة المجتمع نفسه.
و لقد شكلت الهجرة المغربية في اتجاه أوروبا منطلقا أساسيا في تاريخ هجرة المغاربة إلى الخارج منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى، مرورا بهجرة المغاربة من أجل إعادة إعمار ما خلفته الحرب العالمية الثانية، و صولا إلى هجرات المغاربة من البوادي و المدن في العقود الأخيرة من القرن الماضي.
و إذا كانت الهجرة المغربية ظاهرة قديمة، فهي اليوم غيرت أشكالها و أبعادها و اتجاهاتها و أسبابها و نتائجها. كما أن استمراريتها و حدتها و شموليتها و تداخل اتجاهاتها، تثير اليوم أسئلة عديدة و تستدعي قراءة متأنية لما تمثله من علاقة مع البلد الأصلي و لتأثيرها في علاقات التبادل و الإنتاج بين الدول.
و يقدر البنك الدولي مغاربة العالم ب 9,1 في المائة من مجموع السكان، يستقر 80 في المائة منهم بدول اّلإتحاد الأوروبي و يعتبرون أكثر المهاجرين إستقرارا في أوروبا و يحتلون المرتبة الأولى مغاربيا و افريقيا و عربيا. كما يمثلون 7 في المائة من المهاجرين الجدد في فرنسا (مثلا) خلال 2014. و يتصدرون قائمة المجنسين في أوروبا خلال نفس السنة، و يحتلون المركز التاسع في قائمة الدول الإفريقية للمهاجرين الذين هاجروا إلى أمريكا، ليصل عددهم إلى حوالي 66 ألف نسمة. (هذه فقط أرقام و إحصائيات على سبيل المثال و ليس الحصر).
و رغم استقرارهم الدائم و المستمر و المسافة الفاصلة بين مناطق الاستقرار و الوطن الأصلي، فإن مغاربة العالم يحافظون على علاقات متينة مع بلدهم و عائلاتهم، لعل من أبرز تجلياتها ما يزيد عن مليون مغربي منهم يعانق الوطن في صيف كل سنة، و بلغت تحويلاتهم المالية 6,6 مليار دولار خلال سنة 2015. و تشكل هذه التحويلات نحو 7 في المائة من الناتج الداخلي للمملكة، و ثالث مصدر للعملة بعد قطاع السياحة و مبيعات الفوسفات، كما أنها تغطي 32 في المائة من العجز التجاري.
و تعتبر العديد من الدراسات، أن الهجرة المغربية للخارج ثروة حقيقية في الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد و عنصرا حيويا في إنعاش الاقتصاديات المحلية و عاملا أساسيا من عوامل التنمية. و هو ما يفسر اهتمام حركتنا بمغاربة العالم و دعمنا لكل مطالبهم المشروعة انطلاقا من تشخيص موضوعي لواقعهم و تطلعاتهم الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
و إذا كانت بلادنا عملت على إحداث عدة مؤسسات تعني بالهجرة و المهاجرين (الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج، مجلس الجالية المغربية بالخارج) من أجل الحفاظ على حقوقهم و دعم مطالبهم، فنحن كذلك نعتبر قضية مغاربة العالم، أمانة في عنقنا، أكثر من أي و قت مضى، و علينا أن نجتهد في إيجاد السبل الناجعة للإنخراط في دينامية مواطنة تراعي كل خصوصياتهم الديمغرافية و الإنسانية و الاجتماعية و الحقوقية و السياسية التي تهمهم جميعا أينما وجدوا. و في هذا الإطار نقترح 7 أوراش أساسية للنهوض بمهامنا و التي علينا النضال عليها منذ الآن، وهي:
– تقييم دور المؤسسات التي تعنى بشؤون الهجرة والمهاجرين، والوقوف على حصيلة السياسات العمومية في هذا المجال،
– تقييم تجربة الجهوية المتقدمة و المشاركة السياسة لمغاربة العالم،
– تشخيص موضوعي لأوضاع مغاربة العالم في كل مواطن استقرارهم،
– تقييم علاقات الشراكة و التعاون بين المغرب و البلدان المستقبلة للهجرة،
– تقييم أداء المنظمات و الجمعيات الفاعلة في حقل الهجرة داخل المغرب و خارجه،
– تقيم العلاقة بين الفاعلين السياسيين و النقابيين و المثقفين و الأكادميين من أصل مغربي الذين يحتلون مناصب مهمة عبر العالم.
انطلاقا من هذه الأوراش، تطمح حركة قادمون وقادرون – مغرب المستقبل، لتهييء إستراتيجية عامة للترافع و النضال من أجل تحقيق مطالب مغاربة العالم، والمساهمة في تقديم عرض اجتماعي و إشعاعي متميز لتعزيز قوة تنظيمهم، و إبداع برامج منسجمة مع خصوصياهم في كل مواقعهم، و ضبط الإستمراريات و القطائع في مسارات حركاتهم الاجتماعية والنضالية.
و هذا التركيز على الهجرة المغربية ومغاربة العالم، هو ما يبرر اهتمامنا بأسئلة الذاكرة المشتركة، و بأسئلة التنظيمات السياسية و الجمعوية و الثقافية و التنموية التي خلفت إرثا يستحق الدراسة، و واقعا يحتاج للفهم و المتابعة.
إن محور الهجرة و المشاركة السياسية و الجهوية المتقدمة يعد بالنسبة لنا، مبدءا من مبادئ المواطنة الكاملة لضمان الحق في المواطنة و الحق في التمثيلية البرلمانية للجالية المغربية، وهو انتصارا وتتويجا لعقود من النضال و الكفاح ، حيث تم التنصيص في الفصول 16 و17 و18 من دستور المملكة لأول مرة، على حماية حقوق و مصالح المواطنات و المواطنين المقيمين في الخارج و تقوية مساهمتهم في تنمية و طنهم المغرب و تمتين أواصر الصداقة و التعاون مع حكومات و مجتمعات البلدان المقيمين به، أو التي يعتبرون من مواطنيها؛ كما نصت ذات الفصول على تمتيع مغاربة العالم بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت و الترشيح في الانتخابات المحلية و الجهوية و الوطنية. كما تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية، و هيئات الحكامة والوساطة.
و تعد هذه الفصول ضمانة قانونية- دستورية للحقوق السياسية و الاجتماعية و الثقافية لما يقرب من 10% من سكان المغرب، لتحقيق الإسهام في الحياة السياسية و الاقتصادية و التنموية في المغرب عموما، و في المناطق التاريخية للهجرة نحو أوروبا خصوصا. و هو ما اعتبرته جمعيات و منظمات الهجرة، و فعاليات مدنية و حقوقية و سياسية خطوة تاريخية على درب مصالحة الدولة مع مواطنيها المقيمين بالخارج.
و إذا كان ورش الجهوية المتقدمة يعتبر اليوم إطارا ملائما لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية المحلية و ترسيخ الديمقراطية التشاركية و تطوير البناء الجهوي اللامركزي و تحقيق التنمية و الحفاظ على الوحدة الترابية وتكريس الاجماع الوطني ، فإن تحقيقه على أرض الواقع يستوجب ربطه بالمواطنة و الديمقراطية و المشاركة السياسية و العدالة الاجتماعية لمغاربة العالم.
إن حركة قادمون وقادرون تعتبر أن مغاربة العالم لهم مؤهلات اقتصادية، و خبرة عالية في العديد من الميادين، و لهم قدرات و إمكانيات متنوعة للاستثمار و المساهمة في الأنشطة الاقتصادية، خاصة في المناطق (المغربية) التي ينحدرون منها، و التي تعتبر اليوم قطبا اقتصاديا كبيرا و قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية في بلادنا، أو/و البلدان التي يعيشون فيها و التي لها تقاليد جهوية عريقة كفرنسا (منذ 1917) و ألمانيا (منذ 1949) و ايطاليا (منذ 1948) و اسبانيا (منذ 1978)، ألخ.
و زيادة على ذلك، لمغاربة العالم تجربة رائدة في المشاركة و تدبير الشأن العام كفاعلين أو منتخبين أو في مناصب عليا في بلدان المهجر كما تشهد على ذلك عدة تجارب في فرنسا و بلجيكا و هولاندا و اسبانيا، ألخ.
و في خضم هذه السيرورات التاريخية و الواقعية، و أمام الحاجة إلى تفعيل الجهوية المتقدمة كمدخل أساسي لدمقرطة المجتمع و توطيد الوحدة الوطنية و توسيع المشاركة السياسية و تفعيل الحكامة الترابية المحلية و الجهوية و الوطنية، و انطلاقا من الخطب الملكية التي نصت على المشاركة السياسية للجالية المغربية و حقها في الترشح للانتخابات حسب مقتضيات الدستور المغربي، و نظرا لأهمية تقوية الروابط مع الوطن و رد الاعتبار لكل المهاجرين المغاربة الذين ضحوا من أجل الوطن و استقراره و تنميته، و تماشيا مع الأوراش الإصلاحية المتعلقة بمدونة الأسرة و محاربة التمييز و دور النساء المهاجرات و الشباب المهاجر في البناء التنموي، و استحضارا للاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم؛ فإن حركة قادمون وقادرون ترى من اللازم البحث عن السبل الناجعة لضمان مشاركة الجالية المغربية في بناء مغرب المستقبل، و من بين ما نقترحه:
- إشراك الجالية المغربية في مختلف المؤسسات الجهوية و الوطنية و التي تخص المخططات التنموية،
- الاعتراف بمساهمة الجالية المغربية في النمو الاقتصادي و الاجتماعي الوطني،
- البحث عن أشكال جديدة لمشاركة الجالية المغربية في الحياة السياسية،
- نهج سياسة واقعية وواضحة للهجرة، تجعل من مغاربة العالم مكونا أساسيا من مكونات التنمية المستدامة، و طرفا جوهريا في بناء مغرب الجهات المتقدمة،
- تمكين مغاربة العالم من التمثيلية في المؤسسات الوطنية (المجلس السمعي البصري، بنك العمل، المجلس الأعلى للتربية و التعليم و البحث العلمي، المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المجلس الوطني لمحاربة الرشوة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الخ).
- وضع ميثاق لمغاربة العالم يحدد حقوقهم وواجباتهم،
- خلق مؤسسات الشراكة بين مغاربة العالم و الجهات التي ينحدور منها،
- توفير الدعم والحماية للمهاجرين الذين يرغبون في العودة إلى بلدهم،
- خلق قنوات إعلامية للتواصل مع مغاربة العالم، و دعم وسائل الإعلام التي تعني بقضايا الهجرة و المهاجرين،
- إنشاء مؤسسات اجتماعية و ثقافية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة،
- توفير الحماية القانونية والادارية اللازمة والشاملة لمغاربة العالم والمهاجرين المغاربة وعائلاتهم من جرائم العنصرية والتمييز والكراهية والتمييز ،
- إنشاء متحف وطني خاص بالهجرة المغربية ومغاربة العالم للحفاظ على الذاكرة الجماعية المشتركة بين المغاربة.
- مساهمة من إعداد المريزق المصطفى، الرئيس الناطق الرسمي للحرك،
ناشط مدني وفاعل حقوقي،
أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل-كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس