رغم مظاهر الحداثة.. الطبخ التقليدي المغربي سيد المائدة في رمضان
رغم مظاهر الحداثة والانفتاح التي أضحت تطغى على فن الطبخ المغربي بكل أصنافه، لم تتخل الأسر الوجدية عن عادات و”شهيوات” وحلويات تقليدية محلية تنفرد بها عروس الشرق وتؤثث موائدها الرمضانية.
وخلال شهر رمضان المبارك تحرص ساكنة عاصمة الشرق على التشبث بهذه العادات الأصيلة والتقاليد العريقة المتوارثة عن الآباء وترسيخها لدى الأجيال الحالية أملا في الحفاظ عليها في مواجهة ما تفرضه العولمة الجامحة من مظاهر حياتية مختلفة.
ولعل ما يميز مائدة الإفطار في شهر الصيام بمدينة الألفية، وتحلو به أعين الأسر الوجدية، حضور حلويات محلية توارثتها الأجيال وفي طليعتها “الزلابية” و”لكريوش” و”المقروط”؛ هذا الأخير الذي يعكس الخصوصية الثقافية بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة لحلوى “الكعك”.
وإذا كانت هذه الحلويات إلى جانب عدد من المأكولات الأخرى المحلية التي تميز المنطقة يتم إعدادها في السابق وغالبا داخل البيوت من قبل النساء اللاتي يتفنن في صناعتها، إلا أن ظهور ثقافة المشاريع وانتشار المحلات التجارية ساهمت في الإقبال على اقتنائها جاهزة.
ويعتبر سوق باب سيدي عبد الوهاب، الذي يتواجد في قلب المدينة، من أشهر الأسواق الذي يعرف حركة دؤوبة وإقبالا كبيرا من لدى الساكنة الوجدية لتبضع كل ما تحتاجه من متطلبات ومستلزمات بما في ذلك هذه الحلويات و”الشهيوات” المحلية الأخرى التي يزداد الطلب عليها كثيرا في العديد من المناسبات وخاصة في شهر الصيام.
” الرواج ” في هذا السوق انخفض نسبيا هذه السنة مقارنة مع السنوات الماضية ، بالنظر إلى كون الأسر تقتني متطلباتها واحتياجاتها بما يتوافق وقدرتها الشرائية ، يقول محمد الرمضاني ، بائع “الحلويات العسلية”، في تصريح ل(M24)، القناة الإخبارية التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء.
وفي المقابل، أشار بلال ، صاحب محل لإعداد الحلويات المحلية ، الذي قال إنه تعلم تحضير الحلويات التقليدية في ريعان شبابه ، إلى أن “المقروط” و”الكعك” يعتبران على رأس قائمة الحلويات التقليدية المحلية التي تعرف إقبالا كبيرا خلال الشهر الفضيل ، مبرزا أن شهرتهما تجاوزت حدود مدينة وجدة بدليل حجم الطلبات التي يتلقونها سواء من زبائن في عدة مدن مغربية أو في ديار المهجر.
ولا يمكن أن تكتمل المائدة الرمضانية في غياب ” الحريرة ” التي يتم تحضيرها على الطريقة الوجدية ، بإضافة توابل متميزة من قبيل “الكبابة” و”الكروية” و”الكليلة”؛ وهي عبارة عن مربعات صغيرة من الجبن اليابس تضفي نكهة خاصة ومذاقا مميزا للحريرة.
وفي هذا الصدد، اعتبرت كريمة، زبونة محل حلويات، أن طابق ” الحريرة ” على مائدة رمضان لا تشكل وجبة شهيرة ع رف بها المغاربة أكثر من غيرهم فحسب ، بل أيضا دليلا على كرم الضيافة الذي يميز المجتمع المغربي ، باعتبار أن تقديمها للضيف يعني الاحتفاء به والسرور بقدومه.
وبفخر واعتزاز، تتذكر كريمة مختلف الأطباق التي كانت تتقن تحضيرها منذ ريعان شبابها من “مفروق” و”مسمن” و”مطلوع” و”تقنتا” و”الكاطو” بمختلف أنواعه ، بالإضافة إلى “التشيشة” التي تعوض حساء ” الحريرة ” في بعض الأحيان.
وأشارت إلى أن “المقروط ” من أهم “المعس لات ” التي تزين المائدة في رمضان ، إلى جانب “الكعك” الذي يقدم مع الشاي بعد صلاة التراويح ، مصحوبا بـ”سل و” و”الزميتة “، مبرزة أن هذه الأخيرة المكونة من عدد من الأعشاب الطبيعية ، تعد من الأكلات المفضلة لدى الوجديين بالنظر لكونها تساعد على مقاومة العطش في نهار الصيام ، حيث كانت تقدم للفلاحين أيام الحصاد في فصل الصيف.
ومن بين الأكلات التي تميز أيضا عادات رمضان عند الأسر الوجدية ، هناك “السفة ” التي تحضر خصيصا لوجبة العشاء بعد العودة من صلاة التراويح ؛ وهو عبارة عن طبق يتخذ شكلا مخروطا يزين بالقرفة والسكر واللوز المسلوق ويتم تناوله مع الشاي.
وإلى جانب العادات الغذائية ، تكثر أعمال التضامن والتكافل الاجتماعي خلال هذا الشهر الفضيل، حيث تنشط الجمعيات والمتطوعون في توزيع المساعدات وإفطار للصائمين خاصة المحتاجين والمغتربين والفئات الهشة.
وعلى غرار ساكنة مختلف مناطق المملكة، يبقى شهر رمضان لدى الوجديين، في رمزيته، أيضا مناسبة لتلاقي الأهل والأحباب، وإشاعة روح المودة والتآخي والتآزر والتعاضد، وتعزيز قيم التسامح والانفتاح على الآخر.