برشا برشا يا مدلل….

برشا برشا يا مدلل….
توفيق فريد

من المؤسف أن يصبح بلد عريق كتونس، ذو التاريخ الأمازيغي الطويل، مهد الحرية والثورة، ومتنفس الديمقراطية في المنطقتين المغاربية والعربية، مجرد أداة من أدوات المخابرات الجزائرية تستعملها لضرب مصالح الدول.
ففي الوقت الذي صارت فيه الدبلوماسية المغربية مؤثرة في الإقليم ومرجعا على المستويين القاري والدولي إثر النجاحات المتتالية التي تحققها، راهن جنرالات قصر المرادية في الجزائر على اختلاق أزمة دبلوماسية بين المملكة المغربية، وتونس جراء امتناع الأخيرة يوم أمس عن التصويت في مجلس الأمن بإيعاز منهم، آملين أن يجعلوا المغرب دولة معزولة في محيطها المغاربي، لفرملة تمدد المملكة في إفريقيا، وكذا لإعطاء الشرعية المزعومة للمخطط الدنيء الذي كان قد أعلن عنه رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي، والرامي إلى تأسيس اتحاد مغاربي دون المغرب.
لو كانت الدبلوماسية المغربية تتعامل بالتصور والمنطق الذي يفكر به الغباء الجزائري، لما استمرت علاقاتها مع عدد من الدول المناوئة للوحدة الترابية ( جنوب إفريقيا، نيجيريا، الجزائر، كوبا..) قرابة نصف قرن من النزاع المفتعل.
لا تلام الجمهورية التونسية على قرارها، فمنذ بداية النزاع لم تخرج من المنطقة الرمادية ولم تعبر يوما عن موقف صريح من الوحدة الترابية للمملكة؛ مفضلة بذلك دبلوماسية السمكة المدهونة ( بالصابون البلدي) لا هي بالداعمة لسيادة المغرب على صحرائه ولا هي معترفة بالجبهة الانفصالية المزعومة.
لن نعاتب تونس عن قرارها، ولن يغير امتناعها عن التصويت من الوضع شيئا، فملف الصحراء المغربية طُوي نهائيا؛ لكن نريد أن يعرف العالم مع من حشرنا الله في الجوار كما جاء على لسان الراحل الملك الحسن الثاني.
لن نتحامل أكثر على بلد أبو القاسم الشابي، الذي لو علم مايقوم به الرئيس قيس سعيد حاليا في حق الشرعية والانقلاب على الدستور لما فكر يوما أن يكتب نشيد الحرية.
لقد اعتادت المملكة على الطعنات من الخلف؛ لكنها ستظل دولة ذات مواقف ثابتة، تاريخية ومشهود لها. ولعل الفضل في بعث رسالة للعالم مفادها أن تونس دولة آمنة مستقرة بعد ربيع عربي ذاقت منه الويلات لا غير، يعود للملك محمد السادس، سنة 2014، حين زار مهد الثورة شارع الحبيب بورقيبة، وتجول فيه دون حراسة مشددة ولا بروتوكول.
ولن أغوص في حيثيات المستشفى الميداني الذي وضعه المغرب رهم إشارة المواطنين التونسيين جراء تفاقم الوضع الوبائي بسبب انتشار فيروس كورونا، لأن أعراف حسن الجوار وقواسم العروبة والأمازيغية والإسلام تحتم علينا الالتفاف حول الأشقاء التونسيون والوقوف إلى جانبهم في كل الأزمات.
ثمة قرارات ومخططات غير محسوبة يعبث بها ساكن قصر قرطاج، قيس سعيد بن علي، قد تؤدي بتونس الخضراء إلى الهاوية أو العزلة الإقليمية؛ فشعب تونس المتحضر والحر يستحق قيادة متزنة ضامنة لوحدة البلاد وقادرة على تحقيق الرفاه والسلم الاجتماعي والسير به نحو بر الأمان.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *