الأحزاب المغربية في حاجة إلى رجات داخلية
القيادات الوطنية، لكل الأحزاب الوطنية، يبدو أن زمن صلاحياتها قد انتهى، وباتت أضرارها أكثر من منافعها، ولم تستطع ومنذ أكثر من عقدين أن تسترد للسياسة، بريقها وجاذبيتها، وغدت عاجزة على تأطير المواطنين، بل لم تقو على كبح الحراك الاجتماعي بالحسيمة، مما كون عند الجمهور الواسع من المواطنين انطباعا واحدا (كي أحمد كي محماد).
وما زاد الطين بلة، أنه في العديد من المحطات، خرج زعماؤها للتنابز بالكلام، إعلاميا وداخل قبة البرلمان، بدون حياء وبدون تقدير واحترام لجمهور المتابعين.. وفي بعض الأحيان كان تطاول بعضهم على البعض بأساليب مشينة يغيب فيها اختلاف الأفكار والاقتراحات والبدائل، ولا تطغى فيها سوى عبارات التجريح والابتذال، كل هذه الفظائع ظلت مهيمنة على مسرح مشهدنا السياسي وكونت انطباعا لدى العامة، أن هؤلاء لا يتصارعون سوى على المواقع كما الغنائم.
وحين ضربت الجائحة العباد والاقتصاد، لم يتول أي حزب مسؤوليته التاريخية لإخراج الناس من أزمتهم، لكن حين سمعوا بالنموذج التنموي الجديد، الذي دعا له عاهل البلاد، تسابقوا من اليمين واليسار من الائتلاف الحكومي والمعارضة لأبداع خطابات إنشائية، لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تنتج بدائل قابلة للتنزيل ، ولكأننا بهم اكتشفوا العجلة.
وحين سمعوا بالتغطية الاجتماعية، قالوا فيها ما لم يقله الناس عن أزماتهم الاجتماعية اليومية، وعن قلة الوظائف وتراجعاتها وتدهور معيشهم اليومي.
إذن لما تصلح الأحزاب في بلادنا؟
هل وجدت لإفساد الحياة على الناس، بإجراءات ظلت تبحث في التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية ؟
ولماذا لم تقو هذه الأحزاب مجتمعية، على مدى انتدابين حكوميين من تقويم الأوضاع، ومراجعة الاختيارات؟ ولماذا لم تكن الجرأة والشجاعة السياسية لديهم للإعلان والاعتراف بفشلهم في أدائهم التدبيري؟
الحكومات المتعاقبة، تيقن معها الناس أنها لا تنتج سوى الأوهام، بالرغم مما تتحمله خزينة الدولة من كلفة أجور الوزراء ودواوينهم وامتيازاتهم التي لا تعد ولا تحصى ومنهم من أعفي وظل مثل (القراد) يمتص من الخزينة أجرا دون تحريره بالعمل.
لذا الناس لم يروا في هذه الحكومات، سوى النحس فابتعدوا عنها وعن أحزابها التي فقدت الثقة والمصداقة.
لقد رأيننا كيف تتبع الشباب الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية، وعاش لحظات من الصراع الديمقراطي الحي وعاشوا أكثر من كل هذا، خروج بعض المؤسسات الأمريكية للدفاع على نتائج الاقتراع بعدما جند ترامب، عصابته وحاول التشكيك في العملية برمتها.
إذن الشبيبة المغربية مدركة للسياسة، ولها تطلعات في التغيير والمشاركة في الحياة السياسية، وترفض أن تكون قطيعا للزعماء، الذين لم يراكموا سوى الفشل الذريع في تدبير الشأن العمومي، وأفقدوا العملية السياسية برمتها المصداقية، وانحاز العديد من قادة الأحزاب لتوريث المناصب للأبناء والأحفاد كما محيطهم القريب.
السخط عن السياسيين أتى من ممارسات يومية، لا تتمتع بالديمقراطية أولا داخل تنظيماتهم وبين مناضليهم، وعليه فإن مشهدنا السياسي اليوم تطرح فيه أسئلة قوية وملحة ،عن هؤلاء المتحكميين في مفاصل أحزابهم ولم يواكبون التحولات التي عصفت بأحزاب تاريخية وقوية في العديد من الأنظمة السياسية في الوطن العربي وفي بقاع أخرى من العالم، ولم يقدروا حاجة البلاد لمؤسسات حزبية قوية، تؤطر الناس وتوجه نضالاتهم في أفق تثبيت وترسيخ البناء الديمقراطي، بكل مضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والترويج بين الناس لمفاهيم المحاسبة كلما تعلق الأمر بالشأن العمومي وبالمالية العمومية وثروات البلاد.
لكن ما وجب أن يفهمه ويعيه الشباب، هو أن مشهدنا السياسي لا زال في طور التشكل، لأن تجربتنا في العمل السياسي، خرجت من رحم مقاومة القوى الاستعمارية، وهي مقاومة لم ينته أمرها بل أخذت مسارات جديدة، لمقاومة الاختلالات والهشاشة والعوامل الضاغطة لإنتاج التخلف ومقاومة هيمنة الدول الغربية على استقلالية القرار الوطني وسيادته..
والعوامل التاريخية التي أنتجت الأحزاب التقليدية، لم يعد لها حضورا، وبالتالي فإن ميلاد قوى جديدة من الشباب التواق للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، غدت المؤشرات القوية، التي تفسر الصراعات الداخلية بالأخص في قوى اليسار، الذي قطع كل روابطه بتنظيماته الموازية ومناضليه، وبات يراهن على استقطاب ذوي النفوذ المالي، كما يحدث في التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي وأن الحزب الاشتراكي الموحد هو الآخر لم يتعاط بالانفتاح المطلوب على القوى الشاب الصاعدة والراغبة في الانتماء السياسي وفق شروط وتطلعات لا تحن إلى تقديس الأشخاص.