الشباب والأحزاب والاقصاء السياسي
مسألة رفض تزكية الشباب للاستحقاقات القادمة، في أكثر من حزب، باتت تشكل بالفعل ظاهرة أو على الأقل قضية، غير بريئة يوم طرحت لائحة الشباب وتم التصدي لها بالرفض، يعني أن القيادات الحزبية لا تطمئن على الاستمرار في مواقعها، بحضور الشباب الذي يحمل قناعات قوية للتغيير، وفي ساحات النقاش الوطني يتطلع للدفاع أكثر على استبدال الممارسات السياسية السائدة التي وصلت إلى آفاقها المسدود.
كان العنوان القوي للمرحلة، هو ضرورة البحث عن نموذج تنموي جديد، يتيح الفرص للشباب في الاندماج أكثر في الحياة السياسية والمساهمة في صناعة القرارات.. لكن المستفيدين القدامى من مواقع القرار في الهيئات السياسية، ظلوا يعضون بالنواجد على استمراريتهم، ولو كان هذا التشبث على حساب مطالب ترسيخ الديمقراطية كخيار استراتيجي في البلاد، وكل في مواجهة هذا المعطى، يغني فقط على أوتار ليلاه.
حزب التقدم والاشتراكية أبدى ممانعة قوية، في تزكية النائب البرلماني الشاب جمال بن شقرون، الذي يعد نتاجا لمدرسة الحزب منذ انخراطه في الطلائع ومروره بالشبيبة الاشتراكية وصولا إلى قيادتها الوطنية، يعني أنه راكم تجارب أهلته للقيام بوظيفة نائب برلماني، كما ينبغي أن يكون عليه الوضع لكل نائب يمثل الأمة، ويدافع عن قضاياها داخل هذه المؤسسة الوطنية. وسجل عليه تاريخ الأداء السياسي، كيف واجه قرارات وزير التربية الوطنية، وكان له أيضا الحضور المتميز في البرامج الإعلامية الوطنية والدولية.
لكن كان لحزب التقدم والاشتراكية، في هذه المرحلة تقدير آخر، أن يمنح التزكية للوافدين، وللغرباء عن أفكار وتاريخ الحزب، وأن يتشبث بهذا الاختيار، ولو أدى إلى نزيف من الاستقالات.
صحيح أننا لا نسمع أصواتا من قيادة الحزب في مقاربتها لهذا الاختيار، غير صوت أمينه العام، والذي لا يخجل في الحديث عن أسس الديمقراطية وما ينبغي للدولة أن تقوم به لتعزيز ثقة المواطنين، وبالأخص الشباب في تجاربنا السياسية، وقد اختار أن يلوح بلسانه بعيدا عن هيئته السياسية، التي بات يقول فيها ما لم يقله مالك في وصف الخمرة.
إننا إزاء حالة من انسداد الآفاق الحقيقية للتغيير المنشود، حيث الأحزاب الوطنية، باتت تشكل الفرامل القوية، للانتقال نحو ممارسات أرحب وأوسع، لقيادة تطلعات الناس إلى واقع اجتماعي أكثر عدالة وانصافا وحرية ومشاركة.
مرت عشرون سنة من تسويق الأحلام، وازدادت فيها الفوارق الطبقية وازداد فيها الفقر، لكن في هذين العقدين، تمكن قادة الأحزاب السياسية من إصلاح أوضاعهم وتمتعهم بالثراء والغنى، وبالتالي غدت طموحاتهم تتعارض كليا مع طموحات الشعب وشبيبته، حيث جعلوا من السياسة ليس إنتاجا للبرامج والمشاريع الاجتماعية، الناهضة بأوضاع الأمة بل مجالا للثراء.
في المقابل كانت الدولة التي تشرف على المشاريع الكبرى والمهيكلة، تغير من استراتيجيات عملها، بالإنصات القوي لمطالب الشعب، وعملت على التوجه لبناء الطرق والمدن والصناعات الحديثة، وفي ذات الآن إدانة الاختلالات التي أنتجها سوء تدبير الأحزاب السياسية، مع الإمساك بصناعة آمال جديدة، في الحماية الاجتماعية وتصدت للجائحة باستحضارها واستحضار ما ينبغي أن تكون عليه المبادرات دون تردد. والبحث عن استثمارات جديدة وعلاقات دبلوماسية عمادها تبادل المنافع مع اقتصاديات البلدان الإفريقية، ومواجهة تعنت الأنظمة الأوربية، بحزم في مزايداتها السخيفة والرخيصة، على حسمنا لصراع مفتعل عمر طويلا في جنوب بلادنا.
إنها التوجهات التي أمسك بخيوطها عاهل البلاد محمد السادس، لتغيير ملامح بلادنا، والارتقاء بها إلى مصاف الدول الافريقية الخمس الصاعدة، لكنه في أكثر من مناسبة توجه باللوم إلى الفرقاء السياسيين، ومطالبتهم بأن يعملوا على تقديم الكفاءات من الشباب، للقيادة الجماعية لآمال أمة وحقها في التقدم والاجتماعي والرخاء الاقتصادي، وأن تنشغل بإنتاج البرامج والأفكار، والتحالفات القادرة على استرداد ثقة الناس في السياسة ونبل مقاصدها.
العزوف السياسي اليوم لا تتحمل وزره سوى هذه الأحزاب، والتي لم تدرك بعد أن التحولات الهادئة والعميقة التي أصابت، ولا زالت تصيب البنيات الاجتماعية، لم تعد تنظيماتها التقليدية بقادرة على قيادة طموحات الناس، ولم تعد خطاباتها المفعمة بالكلام المعسول وبالأماني بقادرة على استمالة الناس وتحفيزهم على المشاركة.
على هذه الأحزاب أن تنتبه لأعطابها، التي عملت على تعريتها تكنولوجيا التواصل، حيث لقاءاتها الوطنية التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا تستقطب المتتبعين لأشغالها من حيث أنها وبكل بساطة وفظاعة لا تناقش اليوم سوى كيف ومتى تصل إلى المفاوضات حول توزيع الحقائب، لكن هموم الناس وقضاياهم والإشكاليات الاجتماعية الكبرى لا وقت لهم لاستحضارها.