العلاقات المغربية-الإسبانية- الألمانية ” يخ منو وعيني فيه”
بالرغم من متانة وعمق العلاقات الثلاثية بين المغرب وإسبانيا و ألمانيا، والمستندة على الجوار والتعاون والصداقة، والتي ما فتئت تتقوى و تتطور في شتى المجالات ذات الاهتمام المشترك، والرامية إلى تعزيز شراكة استراتيجية في إطار رابح _ رابح، فإنها تصطدم دوما بممارسات غير مفهومة من الطرفين الإسباني والألماني، تصل إلى حد عرقلة المصالح والمساس بالقضايا الحساسة للمغرب فضلا عن محاولة النسف بها.
إسبانيا، التي سجلت الصادرات المغربية نحوها في العام 2014، كأعلى معدل معاملة برقم قياسي عادل 43,9 مليار درهم وفق معطيات (مكتب الصرف)، هي نفسها التي يستأسد بعض نوابها في البرلمان الأوروبي ويصطفون إلى جانب الدول المناوئة والمعارضة لاتفاقية الصيد البحري.
إسبانيا، التي صادق مجلس وزارئها على اتفاقية مع المملكة المغربية، تهم التعاون بين البلدين في مجال الأمن ومكافحة الجريمة، هي نفسها التي تسمح بدخول زعيم الجبهة الانفصالية إلى أراضيها بهوية مزورة، و تتقاعس في الاستجابة لمطالب ضحايا المدعو “إبراهيم غالي”، والمتهم بقضايا تعذيب واختطاف في خرق سافر للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
إسبانيا، التي تؤرقها معضلة الانفصال في منطقة كتالونيا، ولا تتساهل مع كل من يدعو إلى ذلك، بل تسجن كل من يردد معزوفة تقرير المصير، هي نفسها التي تستقبل بشكل مستمر قادة جبهة البوليساريو الانفصالية على أراضيها، و لا تذخر جهدا في دعم حزب ” البوديموس” الداعم للطرح الانفصالي في الصحراء المغربية، بل وضيع بسبب مواقفه على الطرفين الإسباني والمغربي، فرصا حقيقية للإقلاع التجاري والاقتصادي وتعزيز التعاون في شتى الميادين.
أما صديقتنا ألمانيا، التي بدأت علاقاتها التجارية مع المغرب سنة 1506، حينما أنشأت فروعا لها في ميناء آسفي، هي الأخرى تشن حملة شرسة في السوق الأوروبية ضد المنتوجات الفلاحية والبحرية القادمة من الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ألمانيا، التي تأسست علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، سنة 1784 حين عين الإمبراطور فريدريك الأكبر، قنصله في المغرب خلال فترة حكم محمد الثالث، هي نفسها التي تهان على أراضيها قنصلياتنا وسفارتنا ويدنس فيها علمنا الوطني، دون أدنى تدخل أمني أو فتح تحقيق قضائي في النازلة.
ألمانيا، التي قال سفيرها في الرباط، ” غوتس شميت بريم”
بأن: « المغرب شريك مهم لألمانيا في شمال إفريقيا. كما تنخرط برلين بجانب الرباط في التعامل مع الكثير من المواضيع المستقبلية مثل التحول الطاقي، الهجرة الشرعية في صالح الطرفين.» هي نفسها التي تراكم المواقف العدائية المنتهكة للمصالح العليا للمملكة، أبرزها القضية الوطنية، ومحاربة الدور الإقليمي للمغرب في الملف الليبي.
إن من مغذيات التصدعات السياسية والدبلوماسية بين المغرب وألمانيا وإسبانيا، بصفة خاصة، و عموم أوروبا بصفة عامة هو استمرار الغرب في التعامل مع المملكة بمنطق التلميذ والأستاذ، والجهة المجبرة على تنفيذ الإملاءات بشكل حرفي لكي ينال الرضا.
ثمة معطيات متجاوزة وخاطئة بل وغير محينة، تحكم علاقة المغرب بشركائه الأوروبين. فالمملكة الإسبانية، مازالت تلخص دور المغرب في دركي الهجرة الذي يمنع تدفقات راكبي قوارب الموت، وألمانيا تنظر إلى الأمور بمنظور القوة التي لا محيدة عنها، وذلك الآمر الناهي الذي يتحكم في السياسة الداخلية والخارجية للبلدان.
صارت دول العالم الآن بأسره مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتعزيز التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية بينها، وتأسيس قاعدة شراكات استراتجية متينة تجنب حدوث أزمات من شأنها الزج بالدول في الهاوية.
لقد أوضحت جائحة كورونا، بالملموس كيف انهارت بلدان صحيا واقتصاديا جراء نرجسيتها وتقوقعها بعدما كان يضرب لها ألف حساب في المعادلة الدولية.