يا بلدة الله ..

يا بلدة الله ..

إنها البلدة الأيقونة و الدعاء يولد متوجِّها نحو سدرة المنتهى ، البلدة التي كلها أصفياء رغم عمق الجراح التي ما فتئت تنزف ألما . البلدة الطيبة التي تهمس في أذن السحابة أن تكون ودقا يروي ظمأ ألمّ بالديار و بالأسوار و بكل هذه الربوع و محنة القفار ، والهتاف أن يكون لحنا للحياة ينشد سمفونيات توقض مواجع الغرباء عن دفء الزوايا المحتضنة ذاكرة تعاند النسيان ، وغراس البادرات أن يكون عطاء أكيدا لينعم الأهالي بنسمات التين و الزيتون و النخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد . بلدتي في الذاكرة ضمادة من كل جرح و بلسم بثخوم الروح يشفي سقما ورسوخا لكل عهد وانتباه يشرئب إلى صيانة مشترك كان و لا يزال يقاوم دسائس الليل اللعين . سلام عليك ألف سلام بلدتي ، على أهلك الطيبين المشرقين الزاهرين رغم تنطعات مكر التاريخ ، العيون التي تكتب كل قداسة الأرشيف و للحضارة و للذاكرة المثخنة بالضياع ، لنبلك و لعطاء لا يعرف بُخلا ، و هذه الممانعة فيك نبوة جديدة نصلي عليها و نسلم تسليما . شيوخك الذين تسقط الحكمة من ملامحهم فتزهر علما وعرفانا و حكمة حُبلى بالأرشيف ، كهولك الذين يهبون نضج التجربة للعالمين و للمهرطقين من سماسرة العار في زمنٍ قسمته ضيزى ، شبابك الذين ينشدون لجة الشمس لتتسق مع خطاهم و يقين المسير نحو صون الجراح صامدا ينبعث فينيقا لا يرضى الذبول رغم هوس المرجفين ، صغارك و عصافرك الوعد النبي ، بضحكهم وفرحهم و حزنهم . دروبك يا بلدتي يا ما بقي من هوية هذا القلب و نخيلك الفياض رحمة للعالمين وماؤك الزلال يسيل لعاب المندسِّين .. لا تشبهين الأمكنة ولكن تشبهك نجاة الغرقى ، لا تشبهين أي أنين و لا صراخ المستضعفين ولكن يشبهك انتباه الأنبياء .

بلدتي يا هذه الديار الطينية التي علّمتني معنى الشرف رغم جوع الجياع ، و صمود الصامدين رغم مكائد الضباع . من أسوارك المتصدعة الواقفة رغم غدر الريح تخرب جدوى الأضرحة المزينة بالأخضر بالأحمر بلون الوطن . فيك يا مسقط الرأس و مسقط اليأس تتأكد لي مناورات المغول تحشد همم الليل ليحصد روح الدجى . و هذا القلب يخاطب الله جلت قدرته على نغمات صوت يهتف بالسحر ينادي من الليل غفاة البشر ؛ فيبتسم الله .

أحبك يابلدتي بكل خواطر الأمهات اللائي رحلن بعد عياء طويل فخلّفن رائحتهن تقتلني و تحييني ألف مرة في اليوم على عتبات ” القصر ” المتهالك الحزين . وأنت يا بلدتي لا تشبهك البلاد لا في حزنك الأنيق و لا مع كل هذا الدمار الذي خرب الأسوار و قتل مياهك بفيافي الرمل الظمآن و ما بقي فيه من ماء ببرَكة الأولياء والصالحين تستهدفه نيران الطيش البئيس . أحب العيون العميقة فيك بمحاذاة قصورك التي لملمت طفولتنا ذات بدء كنا فيه كالتراب تكالى ، و تفاصيل ثوب الزفاف و صمت الأرامل و مقابر توثق الأنين بالشاهدات و كفى بالله وكيلا . وألعاب الصغار على شرف الوحل و الأرض الملطخة بالعوز الفقير وصوت نشيد الفجر ينادي الله و يتأمل على شرف المستضعفين في معارك الغدر ، و تلك قصص الميتين التي تركوها غراسا تربك هدوء المعتدين . وشاي الغروب و رجالات يتأبّطون ألما و قطيع المعيز يثير الغبار في فيافي الإنتجاع التي أثارت نشوة المتربصين . يا بلدة الله .. و أنت بلدة تدجن شياطنها و تدجن عقارب الشر و تعقر الجلاد القديم . يا بلدة تعلن أن الحياة تنتصر على الموت مهما تعددت مقصلات الدسائس في تنطعات الزوايا المحنطة بالأحقاد و سموم الريع اللعين . لا عليك يا جغرافية الله فالنور يفقأ عين كل حلكة ظالمة . أنت يا بلدتي حضن الأولياء و سخاء الأكرمين يعبر كل الحدود ترياقا للمستضعفين و يستقبل جحافل النازحين ، و تشج جبين الشموس لتكتب أن الصغار يمطرون شواظ الحب على كهوف اللعنة كمطر على ظامئة الصاحرة و لا عزاء للحاقدين . البلدة الطيبة تغسل دمامل البغضاء من غربة الضنى ، و تترجم وسواسها الى نشيد الفجر على ترانيم ” قْدْمنا لجواد هَالْ بينا $$ ربي تعفو علينا ” و تطلب ” شْرْع النبي ” على كل متهور أرعن غاشم و تتوضأ على نغم شرود بخد النجيمات و تصلي صامتة ؛ ” الله ياخذ لحق ” . يا أيتها البلدة الطيبة أفيقي فأنا وطنك الحزين تسكنني رائحتك و لا أسكنك ، انتشليني مني بغضبي و انهياري و قلقي واحتويك ، استغيثي بك فأنا نداؤك و هذا العهد لا يخبو أبدا ، إرتوي مني فأنا ظماك و ارتحلي مني فأنا وطنك النزيف ، وعودي إليّ فأنا غربتك و أنت اغترابي في زمن اللصوص و جهابدة العار يتلظى . و هذا انجدالي بك منك ، انتهائي ابتداؤك علمتني الصمود خلف هذا الدمار العظيم . يابلاد الغائبين الحاضرين . بلدتي يا وجع النهار و يا أرق الليل و يا كل المساحات الشاسعة كالأمسيات الجميلات كأيقونات الممانعة العلياء . يا بلدتي اصمدي عن مقلتك إلى أنين التراب ، ومن نامة الظنون إلى فرائض المحبة والوصال ، ومن جديلة البوح إلى صهيل الضحى اصرخي ليقض قلقك مضجع المتلصصين ، و عاديات الوقت رحيل الحلم وأنت يا بلدتي مازلت تسألين من ضيّع الأسماء و خرّب نخوة الحُرمات ، و الأسئلة أحزان حارقة تلامس الزفير و تنعزل في لجة النشيد .. فيابلدتي ترفقي بك رويدا رويدا و معا نحن سنمضي إلى ما نريد و نتذكر ملاحم بادو و مولاي يعقوب و يمّا حكاعلي و أساطير النصر المبين على شرف الأجداد و ذاكرة البطولات تمانع مكر التاريخ ، و نقاوم . أحبك يا بلدتي لأنك أنت الحياة في رونق حزنها و أيقونة

النضال في زمن المتلصصين .. فكوني فريدة قوية صلبة كريمة حتى في قلقك .. و معا نمضي كحبة قمح تريد أن تصير حقلا .. و نقاوم …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *