الخيبة الكبرى في رئيس الحكومة
بقلم…. فؤاد الجعيدي
ما أحوجنا لصبر أيوب، كي نقوى على المحافظة على الهدوء المطلوب في لحظات الصدمة، التي لم نكن ننتظرها وبالذات من رئيس حكومة لكل المغاربة بمختلف مشاربهم السياسية والفكرية والايديولوجية، والذي أدى القسم بين يدي عاهل البلاد على أن يكون في خدمة البلاد ومصالحها العليا وخدمة المغاربة في طمأنينتهم والسعي لتوفير سبل العيش الآمن لهم دون تميز بين عمر وزيد.
لكن أن تطالعنا الأخبار على أن هذا الرجل الذي تبوأ المكانة الثانية في الهرم السياسي للمغرب، يسعى وبإيعاز من أدرعه الدعوية إلى قطع الأرزاق وهو الحدث الذي لم يسبق لبلادنا أن عاشته حتى في أحلك فتراتها صراعا بين القوى المحافظة والقوى اليسارية.
اليوم الأمين العام للعدالة والتنمية، يدخل معترك المواجهة المباشرة مع المفكر ناشيد سعيد الذي لم تجف بعد فرحته من حصوله على جائزة المغرب في القراءة على مؤلفه الطمأنينة الفلسفية حتى ذهب بطمأنينته رئيس الحكومة بقرار عزله من الوظيفة وحرمانه من الأجر الشهري.
تقول الحكمة التي يفتقدها رئيس الحكومة قطع الرؤوس ولا قطع الأرزاق، لكنه لم يرف له جف في إصدار القرار.
وبنفس الصورة عمل على جر شاب صحافي أمام القضاء بالمحكمة الابتدائية لسطات، بتهمة القذف والتشهير في جنابه الموقر. معتمدا على القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر، وسيطالب بالتعويض.
إنها أزمة الفكر عند هذا التيار السياسي الذي ساء التدبير في قراراته السياسية ومواقفه واختياراته التي وسعت من هوة الفقر وزادت أوضاع المواطنين ضيقا في معيشهم اليومي وفي سياق ظروف جد عصيبة.
وعوض التفكير في مطارد الناس في آرائهم ومواقفهم وانتقاداتهم، كان على السيد رئيس الحكومة أن يفكر عشرات المرات في هذا الفشل الذريع المعلن عنه للمقاربات التي أنتجت سوء النمو وراكمت العجز والبحث في نموذج تنموي جديد عوض الالتفاف على الشباب والسعي لقطع أرزاقهم.
إنها الخيبة الكبرى في رجل الدولة، الذي يتقاضى أجرا سمينا من جيوب دافعي الضرائب، ولا يحق لهم محاسبتهم بل هو الأولى بإعطاء الحساب على المسؤولية التي تقلد أمانتها والتي تفرض عليه التعفف في مطاردة الناس ومحاولة إخراس ألسنتهم لعدم البوح بآلامهم وجراحهم اليومية.
أعلم منذ اللحظة أن في نهاية الشهر لن يجد المفكر سعيد ما يواجه به احتياجات أسرته الصغيرة والمكونة من أربعة أفراد لا معيل لهم سواه وأن الصحافي الشاب وفي عز أزمة كوفيد هو الأخر لا يقوى إلا بالجهد الجهيد على ضمان مؤونة عياله بعدما حصل على شهاد الماستر في المالية العمومية وأن الاشتغال بمقاولة صحافية صغيرة ومحلية تعرف العديد من المتاعب في التمويل الكافي لإدارة عملها ومواردها البشرية التي تعتمد فقط على عزة النفس والرغبة في المشاركة والمساهمة في صناعة القرار المحلي.
إن هذا الوضع اليوم في رجاته الكبرى وما أنتجه من زلات ، يفرض علينا السؤال الجوهري هل خياراتنا الديمقراطية وضعت بين أيادي من يحفر لها بمعاوله حتى نصاب بالكفر في هذا الخيار الاستراتيجي الذي لا محيد عنه للمساهمة ومن كل المواقع في بناء وطن مثل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟
كم أعطى عاهل البلاد من الدروس في الارتباط بالوجدان الجماعي لكل المغاربة والانصات الحكيم لهمومهم ومشاغلهم اليومية والسعي لبناء تطلعاتهم، في مغرب قوي ومتماسك ومتضامن في السراء والضراء وقيادة الثورة الناعمة والهادئة في الحماية الاجتماعية للمغاربة، لكن في الضفة الأخرى رئيس الحكومة لا يتمتع بنفس الرؤية ولا يسعى في خدمة نفس المسار.
لنقلها هكذا وبما يكفي من الوضوح السياسي، وعلينا جميعا تحمل مسؤولياتنا أمام التاريخ وما ستتناقله الأجيال القادمة من أخبار لا أعادها الله علينا ، ولنا كل الثقة في أن نظامنا السياسي له صمام أمان وضمانات كبرى في عاهل البلاد بما متعه الدستور من حق العفو والعفو لا يكون إلا عند المقدرة.