لم يتعظوا ولن يتعظوا

لم يتعظوا ولن يتعظوا
بقلم فؤاد الجعيدي

مرة أخرى يتأكد أن رئيس حكومتنا السيد العثماني، لازال وفيا لخط سلفه غير المأسوف عليه، عبد الإله بن كيران في تأويل النوازل والطامات الكبرى والكوارث، التي حلت بنا في عهدهم ودبت على الأخضر واليابس.
بالأمس فسر الإسلاماويون ممارسة الحق في الإضراب عن العمل بالمحرم، واستند كبيرهم في هذا التأويل لآية قرآنية بالربط بين العمل والأجر المدفوع عنه. وهو اجتهاد مجانب للصحة ولا تخفى مقاصده في استخدام الدين في صراعات ومواقف سياسية وتبريرها، وهذا النهج يحافظ عليه سلفه حين اتخذ قرار توقيف حركة الناس خلال شهر رمضان بعد الثامنة مساء، وعمد إلى تفسير القرار بكلام الله مرددا الآية: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (11)النبأ.
إن هذه الرؤية تتقاسمها كل التيارات، التي وظفت الدين لتبرير مواقفها السياسية من الأحداث وتطوراتها، هذه الرؤية بالذات لا تؤمن بالعلم ولا تنشغل في البحث عن حلول للأزمات وتعجز عن تبرير قراراتها القاسية التي يؤدي كلفتها الناس من معيشهم اليوم.
كان على الفقيه الطبيب ورئيس الحكومة، أن يفسر لنا كيف سيتمكن أرباب البيوت من العاملين في المقاهي من ضمان قوتهم وقوت عيالهم، سيما في هذا الشهر الفضيل الذي ترتفع فيه الحاجيات الاستهلاكية للمواطنين، وتتضاعف فيه الرغبات التي يتم كبح جماحها طوال ساعات الصيام.
كان على الرئيس الفقيه الطبيب، أن يحدثنا حديث المسؤولين الذين يراعون الأمانة التي حملوها على رقابهم، كيف نقوى على اجتياز ما تبقى من محنة الجائحة، ونؤمن للناس استقرارهم في معيشهم اليومي.
لقد تفاعل المواطنون مع القرار الحكومي، بالسخرية المطلوبة وهم يسلطون الأضواء، عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن المسكوت عنه في كلام رئيس الحكومة وعن تناقضاته الصارخة التي تفقد الخطاب مصداقيته وجديته.
الشؤون الدنيوية تحتاج منا المواجهة الجماعية بحثا في إبداع الحلول بأقل كلفة من الخسارات وليس اتخاذ قرارات بيروقراطية وفرضها على الناس دون تفسيرات واقعية وعلمية.
إننا لا نجادل فيما يجب اتخاذه من احترازات وسلوكات وقائية للحد من مخاطر انتشار واتساع رقعة كوفيد 19 في أوضاعه التحولية، ولكن نقول ونؤكد أن كل قرار لا بد أن تصاحبه وترافقه إجراءات ومبادرات للتخفيف من معاناة المواطنين الذين يعيشون أوضاعا صعبة وتزداد صعوباتها شدة مع فقدانهم لمناصب العمل التي منها يكتسبون أرزاقهم.
الحلول ممكنة لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وإلى الجرأة في التعاطي مع الأزمة كاستنفار الإمكانيات والجهود الذاتية والإعلان عن حملة واسعة من التضامن بين المغاربة في هذه الظروف الدقيقة.
لكن على أعضاء الحكومة الموقرة وبمبادرة من رئيسها، الإعلان عن التخلي عن أجرة هذا الشهر وتحويل كل المصاريف الزائدة للدواوين والوزارات من محروقات البنزين وغيرها، وضخها لتغذية مصاريف الفئات التي فقدت عملها، والتي كانت تؤمن قوتها في العمل بعد ساعات الإفطار. وتعميم مبدأ المساهمة على كل المغاربة الميسورين والراغبين في الأجر والثواب.
كان على رئيس حكومتنا أن يبادر في الاتجاه الذي يخفف من معاناة الناس، وليس الاجتهاد الأعمى في ترديد آيات أخرجت من سياقتها لتفقد هذا الدين الحنيف في أنظار الناس، ما أتى به من رحمة للعباد ورأفة بهم، وهو الدين الذي ما جعل من حرج على المرضى وعلى غير القادرين على الإيفاء بأحكامه. ولم يغلق علينا أبواب الاجتهاد في الأخذ بالناس إلى سعادتهم الدنيوية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *