الاعتراف الأمريكي بالصحراء والخريطة الجيوسياسية الجديدة بالمنطقة

الاعتراف الأمريكي بالصحراء والخريطة الجيوسياسية الجديدة بالمنطقة

●محمود التكني

إن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه نقطة مفصلية في تسوية الملف المفتعل الذي عمر ما يقارب نصف قرن لكنه يعتبر بمثابة القنبلة النووية كالتي ضربت هيروشيما باليابان ابان الحرب العالمية الثانية،مما أدى إلى انتهائها .

فهذا الاعتراف سيغير موازين القوى في المنطقة على اعتبار أن ملف الصحراء المغربية باطل يراد به حق، وقد نتج في إطار ما كان يعرف في النصف الثاني من القرن العشرين بالحرب الباردة بين المعسكر الشرقي متمثلا في النظام الشيوعي و المعسكر الغربي الذي يشكل النظام الرأسمالي. ومن أبرز نتائج هذه الحرب إعلان قانون حقوق الأقليات الذي لا أعارضه إذا طبق بدون نية سوء أو ضغينة سياسية كحاله في الصحراء المغربية.

إن أفريقيا عامة وشمالها خاصة ظل محط أنظار كل من أوربا وأمريكا وروسيا، حيث راهنت هذه الأخيرة على الجزائر التي أوهمتها أن لها تأثيرا على دول أفريقيا، لكن هذا التأثير المزيف أفل سريعا ولم يصمد أمام الدبلوماسية المغربية التي تتميز بالصرامة في وقتها والهدوء والتريث وضبط النفس أمام الاستفزازات الجوفاء بفضل توجيهات وتعليمات الملك محمد السادس نصره الله وأيده .

أما بخصوص تعامل المغرب مع هذا الثلاثي – أمريكا-روسيا-أوروبا- والذي اعتبره طرفا غير مباشر في النزاع المفتعل فقد صمد ولم يقدم أي تنازل، وخير دليل على ذلك قطع التعاون الأمني مع فرنسا سنة 2015، ولم تنته قطيعة هذا الاتفاق الأمني إلا بعد أحداث شارلي إيبدو، التي خلفت 17 قتيلا في مطلع يناير من 2015، وبعدها جاء رفض المغرب لاتفاقية الصيد البحري دون سيادته على مياه الأقاليم الجنوبية حتى صوت برلمان الاتحاد الأوروبي في يونيو 2019 على الاتفاقية بالبنود المغربية، مما سبب توترا بين المغرب والبوليساريو آنذاك.

أما بخصوص روسيا، فقد قام عاهل البلاد بزيارة لموسكو في مارس 2016 بدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين، حيث ترأس جلالته إلى جانب الرئيس الروسي بالكريملين توقيع اتفاق للتعاون بين المغرب و روسيا حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، لكن روسيا الاتحادية لم تفعل هذه الاتفاقية لأسباب مجهولة. هكذا فإن تعامل المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية كان في إطار دبلوماسي متخلق واحترام تام للشؤون الداخلية لكلا البلدين.

إن المغرب لم يقدم أي تنازل في ملف قضيته الوطنية لأنها عادلة و يؤمن بها ايمان المسلم بالله أما عن الجارة الشمالية اسبانيا فإن علاقتها مع المغرب تمر بأحلك أيامها، حيث استطاع المغرب ترسيم حدوده البحرية معها من طرف واحد و قام بإغلاق الحدود البرية الوهمية بين المغرب والسليبتين حتى أصبح سكانها يعانون ظروفا مزرية أجبرتهم على التفكير في الهجرة نحو إسبانيا.

أما عن الاعتراف الأمريكي الشجاع فقد جاء عن قناعة واقتناع. بهذا تكون امريكا قد وضعت موطئ قدم بأفريقيا عبر الاستثمارات الضخمة التي ستفعلها في الصحراء المغربية ولقد كان هذا اختيارا في محله وسيعمل لا محالة على تغيير الخريطة الجيوسياسية لشمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء.

و لقد بدأت ملامح التغيير تظهر لأن المناورات العسكرية الأمريكية المغربية لم تكن لترى النور قرب جزر الكناري لولا هذا الاعتراف، و هي رسالة لمن يهمه الأمر فقد قضت مضجع حكام مدريد، بهذا فإن الجزائر وإسبانيا لن يجدا بدا من تغيير موقفهما من سيادة المغرب على صحرائه كرها وليس اختيارا.

● أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي اسماعيل مكناس وباحث في قضايا الصحراء المغربية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *