افتتاحية مجلة 24: للجامعات حرمتها وأهلها مسؤولون على الدفاع عنها
الفكر الشعبوي الذي عرف منتهاه، مع الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، والذي عمق محنة الأمريكيين وساهم في تقليص النفوذ الأمريكي في العديد من بؤر التوتر العالمي، بنزعته وحنينه لإشاعة ثقافة الوسترن( رعاة البقر) القدامى، وما كلف الديمقراطية الأمريكية من صراعات إبان الانتخابات الأمريكية، إلى أن حسمت لصالح الرئيس بايدن والذي أعلن جهرا بضرورة تعبئة كل الشعب الأمريكي ومؤسساته لإحداث القطيعة مع الترامبية.
هذه النزعة الشعبوية مثلها في بلادنا السيد عبد الإله بن كيران، بخرجاته المتعددة واستقطب لها الدعاة لترسيخ هذه الروح التي لم يحافظ فيها الداعية السياسي، بما يقتضي منصب رجل الدولة والرجل الثاني في الهرم السياسي المغربي، من حفظ اللسان من التنابز بالألفاظ والتي لم تراعي في العديد من المحطات، المقام عملا بالقول المأثور لكل مقال مقام. كما حدث مرات عديدة تحت قبة البرلمان، في مواجهة ممثلي الأمة أو في اللقاءات الحزبية والتي كان يعتمد فيها على التجييش لطائفته بالتنكيت والسخرية والضحك على الذقون.
اليوم تصل امتدادات هذا التوجه إلى الحرم الجامعي المغربي، حيث أن طالبا، في مناقشته لأطروحة الدكتوراه، في مجال الهندسة البيئية حول موضوع ( التثمين الطاقي للنفايات المنزلية ) أتى مرتديا لزي عمال النظافة، أمام لجنة المناقشة للأطروحة.
ما ورد في التاريخ الجامعي، أن أتى طالبا لمناقشة موضوع ما وارتدى فيه لباس الحرفة كما فعل هذا الشخص وهو سلوك مخالف ومناف للأعراف في الجامعات الوطنية والدولية.
لكن أن يحدث ما حدث، وأن لا يسارع معالي وزير التعليم العالي للتحقيق في الواقعة والتنديد بها، أمر يستدعي الوقوف للتساؤل عما وصل إليه الوضع الجامعي في بلادنا؟ فبالأمس وبجامعة سطات وقعت مشادة كلامية لم يتم فيها استحضار قدسية المكان وحرمته كفضاء، للتفكير العلمي والمعالجات النظرية للإشكاليات المعرفية التي وجد أصلا من أجلها البحث العلمي، للتداول الهادئ والرزين والحكيم في أمور اقتضى تاريخ المعرفة أن تظل حكرا على نخبنا الفكرية والعلمية.
اليوم الجامعة المغربية مدعوة للوقوف بقوة وحزم، ضد هذه النزعات الشعباوية التي باتت تتسلل بصمت ولا تخفى أصولها ومؤثراتها التي تغذيها.
المعنيون المباشرون بضرورات الدفاع عن حرمة الجامعات وصيانة المعايير والأعراف والطقوس لمناقشة بحوث الدكتوراه، هم الطلبة أنفسهم طلبة أقسام الدكتواره والأساتذة الجامعيون، وأن يقفوا سدا منيعا أمام هذا العبث الشعبوي الذي بلغ مداه على المستوى السياسي في التجارب التي قادها حزب العدالة التنمية، وسفه معها نبل السياسة وجر معها بالمؤثات السيئة الجامعات المغربية التي نوقشت في بعضها أبحاثا لا ترقى أن تكون بعناوينها ومضامين مواضيعها مجالات للبحث والمنفعة الاجتماعية في بلد ينتظر إنصافا اجتماعيا وإقلاعا اقتصاديا حقيقيا للخروج من العوامل الضاغطة للتخلف.