افتتاحية مجلة 24: علل البلاد
لن نغالي إن قلنا أن مغرب اليوم، يعيش على إيقاعين وسرعتين. مغرب الحداثة التي يعرف تطورات كمية ونوعية هائلة، وينتج رغد العيش، والحياة لجزء من المغاربة. ويتطلع للمنافسات في مجالات الطاقات المتجددة، والفلاحة العصرية، والسياحة الراقية. إنه المغرب الأخضر والقادم بقوة وإصرار، للحضور في الساحة الدولية، إنه المغرب المهيكل الذي استفاد من كل التطورات في بناء المؤسسات بالتنظيم العصري المطلوب.
وهنا المغرب الهش الضعيف، الذي يعيش ويقتات من القطاعات الشكلية، التي تنتج البؤس الاجتماعي للناس، ومن هذا البؤس تراكم فنة من الناس الآخرين الأموال بالتهرب الضريبي، ومناهضة العمل النقابي، وهدر كرامة العمال، والاضرار بالاقتصاد الوطني.
للأسف هذا القطاع الشكلي، يحظى في بعض الأحيان بالدعم والمساندة من قوى سياسية يمينية، تشجع على مراكمة الثروة، لأصحابها على حساب المصالح الحيوية للقوى العاملة.
يحدث هذا في قطاع النسيج والملابس الجاهزة، ويحدث مثل هذا لدى المتاجرين في الخردة وقطع غيار السيارات، الدار البيضاء ومثلها مدن عديد بالمغرب وصلت فيها المستودعات السرية حد التخمة التي تضم البشر والسلع والمواد الغذائية، والتي تكتشف حين تحرك السلطات آليات التتبع والمراقبة.
إن هذا الوضع الأسود، يهدد المغرب الأخضر، الذي له تطلعات قوية في رسم آفاق الاقتصاد الصاعد والواعد، الذي تتطلع إليه المملكة في ظل جهود عاهل البلاد، الذي ما فتئ ينبه الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، للمساهمة في تبني أفكار الشفافية والمحاسبة السياسية، وسن خيارات جديدة تؤهل المجتمع، برمته للارتقاء لأوضاع تليق بكل المغاربة وبالأخص بشبيبته.
إنها رهانات المغرب بكل آماله، وأحلامه في التصدي لما يسيئ لكرامة الناس، ويعرقل استفادتهم من التراكمات الايجابية التي تحققت إلى حدود اليوم.
مأساة طنجة لن تكون الأخيرة، لكنها بكل تأكيد قد شكلت الإنذار القوي لكل من يراهن، على فرملة تطلعات البلاد، وتبخيس جهودها في إحداث القطيعة المطلوبة مع تحديات اليوم.
على المستوى السياسي يتضح التناقض بين الاتجاهين بقوة، وهو ما يقوي الأمل في أن المغرب الناشئ والصاعد، سينتصر لأسباب وعوامل تقدمه، بترسيخ المقومات التي تساعد على ضمان قوة نسيجه الاجتماعي والاقتصادي، فعلى الجميع ومن كل المواقع الصمود، في وجه كل القوى التي ترفض التغيير وتتشكك في إمكانيات حدوثه.
مغرب الأمل أتت أحداث كبرى، تؤشر على أنه قادم بقوة، ولن تعود عقارب ساعته إلى الوراء، هذا المغرب قد اختزن من التجارب ما يكفي لنهضته وحضور بين الدول الصاعدة.