عيد الإستقلال في المغرب : سياقات تاريخية و دلالات سياسية لمسار التحرر الوطني

عيد الإستقلال في المغرب : سياقات تاريخية و دلالات سياسية لمسار التحرر الوطني

بقلم : محمد هنشيش
طالب باحث

يشكل عيد الاستقلال، الذي يحييه المغاربة في 18 نونبر من كل عام، إحدى أهم المحطات المؤسسة في التاريخ السياسي المعاصر للمغرب. فهو ليس مجرد انتقال من وضعية الحماية إلى وضعية السيادة، بل هو تعبير عن صيرورة تاريخية معقّدة شاركت فيها مؤسسات الدولة و النخب الوطنية و الحركات الشعبية، بما جعل حدث الاستقلال نتيجة تراكُم نضالات و استراتيجيات تفاوضية و ميدانية امتدت على مدى عقود.

أُخضع المغرب لنظام الحماية سنة 1912، في إطار توازنات دولية ميزها سباق القوى الاستعمارية على مناطق النفوذ. و قد أدى هذا الوضع إلى بروز أنماط متعددة من المقاومة، تراوحت بين المقاومة المسلحة في القبائل والمناطق الجبلية، و الحركات الإصلاحية التي ظهرت في المدن، قبل أن تتخذ شكلًا سياسيًا أكثر وضوحًا مع بروز الحركة الوطنية.

لقد ساهمت التحولات العالمية، و خاصة صعود حركات التحرر بعد الحرب العالمية الثانية، في رفع درجة الوعي الوطني داخل المغرب. كما أدت سياسات الحماية إلى خلق هوّة متزايدة بين الإدارة الاستعمارية و المجتمع المغربي، الأمر الذي سهّل انتقال الحركة الوطنية من مطالب إصلاحية إلى مطالب استقلالية صريحة.

تُعدّ وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 نقطة تحول مفصلية؛ فهي أول وثيقة سياسية موقّعة من قبل نخبة وطنية تطالب بشكل واضح بإنهاء نظام الحماية و بناء دولة موحدة ذات سيادة. كما أن المبادرات التي عرفتها المنطقة الخليفية سنة 1943 تعكس وحدة الوعي الوطني رغم اختلاف مناطق النفوذ الاستعماري.

أما خطاب طنجة 1947، فقد مثّل إعلانًا سياسيًا مهمًا، أعاد من خلاله السلطان محمد الخامس تعريف طبيعة الدولة المغربية، مؤكدًا استقلالها التاريخي و شرعية مطالب شعبها. و يمكن اعتبار هذا الخطاب لحظة تكثيف للهوية الوطنية، و إعادة صياغة للعلاقة بين السلطان كشخصية رمزية و المجتمع كفاعل تاريخي.

أدى نفي محمد الخامس سنة 1953 إلى تحوّل كبير في مسار النضال الوطني، إذ تحول الصراع من مستوى النخب إلى مستوى المجتمع بكل فئاته. فقد ساهم النفي في خلق إجماع وطني حول ضرورة مواجهة الحماية، مما أدى إلى صعود جيش التحرير و تنامي عمليات المقاومة المنظمة.

و من منظور علم التاريخ، يمكن القول إن نفي السلطان أسهم في انتقال الحركة الوطنية من مرحلة “التفاوض” إلى مرحلة “الضغط”، مما سرّع مسار التفاوض على الاستقلال بعد عودة الملك في نوفمبر 1955.

شكلت العودة المظفرة للملك محمد الخامس في 16 نونبر 1955 بداية المرحلة النهائية لمسار التحرر. و مع إعلان الاستقلال في 18 نونبر 1955، ثم استكماله مؤسساتيًا سنة 1956، دخل المغرب مرحلة جديدة قوامها إعادة بناء الدولة، و توحيد التراب الوطني، و إرساء الهياكل الإدارية و السياسية.

و قد تميزت هذه المرحلة بجهود إصلاحية همّت التعليم والإدارة و القضاء وبناء المؤسسات المركزية، مما وضع أسس الدولة الوطنية الحديثة.

يحمل هذا الحدث في الذاكرة الوطنية دلالات متعددة، يمكن إجمالها في ما يلي:

– ترسيخ الشرعية التاريخية للملكية المغربية باعتبارها فاعلًا أساسيًا في قيادة النضال و التفاوض على الاستقلال.

– إبراز دور النخب الوطنية و المجتمع المدني في بلورة مطالب التحرر و توسيع قاعدة الوعي السياسي.

– تعزيز فكرة وحدة الدولة و التراب الوطني في مواجهة مشاريع التقسيم التي فرضها الاستعمار.

– ترسيخ الذاكرة الجماعية كعنصر أساسي في بناء الهوية الوطنية و في تأطير السياسات العمومية المرتبطة بالتاريخ و التراث.

– إعادة قراءة مسار بناء الدولة بعد الاستقلال كجزء من مسيرة مستمرة نحو التنمية و الديمقراطية و تحديث المؤسسات.

إن عيد الاستقلال لا يمثل مجرد واقعة تاريخية، بل يشكل إطارًا تحليليًا لفهم تشكل الدولة المغربية الحديثة. فهو لحظة تستعيد عبرها الذاكرة الوطنية مسارًا من النضال المشترك بين العرش و الشعب، و تستحضر من خلاله التحديات التي رافقت بناء المغرب المعاصر. كما أن استحضار هذه الذكرى اليوم ليس استعادةً للماضي فقط، بل هو دعوة للتفكير في مستقبل الدولة و تعميق قيم المواطنة و الالتزام و العمل المؤسساتي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *