“الديربي” دخان وخيبة
انتهى ديربي البيضاء بلا طعم ولا لون ولا رائحة. صفر مقابل صفر في الأهداف، وصفر في المتعة. مباراة مرّت كنسخة باهتة من ذاكرة جميلة، كظلّ بعيد لديربيات كانت تُكتب فيها الأساطير بالعرق والشغف.
لم يكن أحد ينتظر هذا الفتور من الرجاء والوداد، وهما قطبا الكرة المغربية اللذان شكّلا لعقود واجهة للكرة الوطنية. الأداء جاء متواضعًا إلى حدّ الإحباط، وكأنّ اللاعبين تركوا أرواحهم خارج المستطيل الأخضر. لا إبداع، لا مبادرة، لا لمسة من تلك النار التي كانت تشتعل كلّما اقتربت صافرة البداية. الأرقام والإحصائيات لم ترحم أحدًا، فقد كانت شاهدة على مباراة هزيلة خالية من أي بصمة فنية أو فكر تكتيكي.
الفرجة الحقيقية كانت، ككل مرة، في المدرجات. هناك فقط تُسمع الحكاية القديمة تتجدّد بأهازيج الجماهير، هناك فقط تُكتب الأغاني بشغف الانتماء، هناك فقط يعيش الديربي بمعناه العميق. لكنّ هذا الشغف الجميل تحوّل في لحظات إلى فوضى حين كثرت “الشهوب الحارقة” وتكررت التوقفات التي قتلت الإيقاع وأفسدت ما تبقّى من متعة. ثلاث مرات توقفت المباراة، وثلاث مرات انطفأت نار اللعب لتشتعل نار الدخان.
في كرة القدم الحديثة، الحماس لا يتعارض مع الانضباط، والشغف لا يعني العبث. في “الكلاسيكيات” العالمية، الجماهير تصنع المشهد لا الخراب. أما عندنا، فما زال بعض السلوك يجرّ اللعبة إلى الخلف بدل أن يدفعها إلى الأمام.
ما حدث في ديربي الأمس لا يجب أن يمرّ مرور الكرام. فكيف نُقنع العالم بأن كرتنا تطورت وأن منتخباتنا تقارع الكبار، بينما قمّتاها المحليتان تقدّمان عرضًا بهذا المستوى؟ كيف نبني سمعة كروية متينة، إن كان ديربي الدار البيضاء… عنوان شغفنا وفخرنا يقدّم نفسه للعالم بهذا الشكل الباهت؟
لقد آن الأوان لإعادة النظر، ليس فقط في الأداء فوق العشب، بل في فلسفة اللعبة نفسها داخل أنديتنا الكبرى. فالمغاربة لا يريدون ديربي دخان وضجيج، بل ديربي فنّ ومتعة وتاريخ يُروى للأجيال القادمة.
فالديربي ليس مجرّد مباراة… إنه مرآة لوجه كرة القدم المغربية. ويا للأسف، انعكاس الأمس كان باهتًا إلى حدّ الوجع.

