الجامعات الرياضية في المغرب بين المال العام و اختلالات التدبير
*تحليل في اختلالات التدبير المالي وآليات المحاسبة الغائبة:
تعتبر الجامعات الرياضية في المغرب أحد الأعمدة الرئيسية للنظام الرياضي الوطني، فهي المسؤولة عن تأطير الأندية، وتنظيم المنافسات، وتمثيل المغرب في الهيئات القارية والدولية.
غير أن الصورة التي تقدم اليوم عن هذه الجامعات لم تعد مطمئنة، إذ باتت محط انتقاد متزايد بسبب اختلالات التدبير المالي، والغموض الذي يلف صرف الموارد العمومية وأموال الاستشهار والاحتضان، مما جعل الثقة بين الدولة و الجمهور وهذه المؤسسات في تراجع مستمر.
1.المال العام بين الدعم والمساءلة الغائبة:
تحصل الجامعات الرياضية سنويا على دعم عمومي مهم من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وأحيانا من المجالس المنتخبة أو المؤسسات العمومية، وهو مال عام يفترض فيه أن يصرف في مجالات التأطير، التكوين، وتطوير الممارسة الرياضية.
غير أن واقع الحال يكشف عن غياب آليات فعالة للشفافية والمساءلة، إذ لا تنشر تقارير مالية مفصلة للعموم، ولا تخضع أغلب الجامعات لتدقيق حسابات مستقل أو دوري.
هذا الغموض المالي يفتح الباب أمام تضارب المصالح، واستغلال النفوذ، وصرف اعتمادات ضخمة دون أثر تنموي واضح، وهو ما يضع علامات استفهام حول مدى احترام مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة التي نص عليها دستور 2011.
2.أموال الاستشهار والاحتضان بين الغموض والتفاوت:
تشكل أموال الاستشهار والاحتضان (Sponsoring & Mécénat) رافدا إضافيًا لتمويل الجامعات الرياضية، خاصة في الألعاب الجماعية ذات الحضور الإعلامي القوي.
لكن هذه الموارد الخاصة بدورها تدار في كثير من الأحيان بمنطق شخصي بعيد عن معايير الشفافية والتنافس النزيه.
ففي الوقت الذي تنعم فيه بعض الجامعات بموارد ضخمة من شركات الاتصالات والمصارف وشركات المحروقات، تعيش جامعات أخرى تهميشا ماليا خانقا.
كما أن غياب إطار قانوني واضح يحدد طرق التعاقد، ومراقبة تنفيذ اتفاقيات الاحتضان، يجعل من هذه الأموال منطقة رمادية، تصرف فيها الملايين دون تتبع دقيق أو تقارير محاسباتية منشورة.
3.مظاهر الاختلال بين الريع الرياضي وضعف الحكامة:
تظهر تقارير صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات وبعض وسائل الإعلام الوطنية أن عددا من الجامعات تعرف مظاهر متعددة من سوء التدبير، من بينها:
-تضخيم نفقات التسيير على حساب برامج التكوين والتأطير.
-توزيع غير عادل للدعم بين الأندية والجهات.
-صرف مكافآت ومصاريف تنقل دون مبررات قانونية دقيقة.
-احتكار المناصب داخل الأجهزة المنتخبة وغياب التداول الديمقراطي.
هذه الاختلالات لا تعد حوادث عرضية، بل هي نتاج بنية تنظيمية متقادمة تفتقر إلى الشفافية والرقابة المستقلة، وتكرس منطق تقاسم الكعكة بدل منطق تدبير المال العام خدمة للمصلحة العامة.
4.نحو إصلاح بنيوي لمنظومة التمويل الرياضي:
الإصلاح المنشود يقتضي وضع آلية موحدة للرقابة المالية على الجامعات الرياضية، تلزمها بنشر تقاريرها السنوية وتدقيق حساباتها من طرف مؤسسات مستقلة، إلى جانب مراجعة الإطار القانوني المنظم لعلاقاتها بشركات الاستشهار والاحتضان.
كما يتعين ربط الدعم العمومي بنتائج ملموسة على مستوى التكوين والإنجاز الرياضي، واعتماد مبدأ الشفافية الكاملة في التوظيف والصفقات، لضمان ثقة الجمهور والممولين على السواء.
فلا يمكن لقطاع الرياضة أن يحقق الإقلاع المطلوب ما لم يتم القطع مع ثقافة الريع والمحاباة، وتعويضها بثقافة المسؤولية والمحاسبة والنجاعة.
**إن ما ينفق اليوم في الرياضة المغربية لا يعكس مردودها، والخلل ليس في حجم الموارد، بل في طريقة تدبيرها وتوزيعها.
فالرياضة، في نهاية المطاف، ليست مجالا لتبادل المصالح، بل فضاء لترسيخ قيم النزاهة، وتكافؤ الفرص، والروح الوطنية.
وإصلاح الجامعات الرياضية هو المدخل الحقيقي لإصلاح المنظومة بأكملها، حتى لا تبقى عبارة “تقسمو الفلوس عا بيناتكم” تعبيرا دائمًا عن واقع يفترض أن ينتهي.
**المراجع:
*دستور المملكة المغربية لسنة 2011، خاصة الفصول المتعلقة بالحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
*قانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09.
*تقارير المجلس الأعلى للحسابات حول تسيير الجامعات الرياضية (2018–2023).
*تقارير وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، قطاع الرياضة، حول دعم الجامعات الرياضية.
*مقالات وتحقيقات صحفية من جرائد الأحداث المغربية، الصباح، TelQuel وLe360 Sport حول اختلالات التسيير المالي الرياضي.

