زيتون تحت الهجوم : مزارعو الضفة الغربية يجمعون الثمار و خطر المستوطنين يداهم الحصاد
في خضم موسم الحصاد السنوي لزيتونها، يعيش مزارعو الضفة الغربية بفلسطين حالة إستثنائية من التوتر و القلق.
عائلاتٌ كثيرة توقّفت قبل أسابيع عن روتينها السنوي في قطف الزيتون، ليس بسبب نقص المحصول بل بسبب موجة تصاعد في العنف وفق ما وثقته هيئات الأمم المتحدة و مؤسسات حقوق الإنسان.
هذا العام، يبدو أن الأشجار التي لطالما شكّلت ثروة إقتصادية و رمزية للمزارعين الفلسطينيين أصبحت أيضاً هدفاً لموجة إعتداء متزايدة.
في قرية ترمسعيا شمال شرق رام الله، توجهت السيدة عفاف أبو عليا (55 عاماً) صباح يوم 19 أكتوبر إلى حقل الزيتون برفقة حفيدَيها. بينما هم منشغلون بالقطاف، فوجئوا بظهور مجموعة من المستوطنين مقنّعين خرجوا من بين الأشجار، واحدهم ضرب السيدة بعصا على رأسها، فأُصيبت بكدمة تحت عينها اليمنى.
بحسب بيانات لجنة مقاومة الجدار و الإستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، فإن ما لا يقلّ عن 158 هجوماً تمّ تسجيلها منذ مطلع أكتوبر في موسم الحصاد، بإرتفاع نحو 13% مقارنة بالفترة المَثِيلة من العام الماضي.
الأمم المتحدة أكّدت أنّ هذا الموسم يُشكّل ذروة في الإعتداءات على المزارعين و الممتلكات الزراعية، مع تفجير حرائق، و قطع أشجار الزيتون، و عمليات سرقة المحصول أو منع الوصول إليه.
أشجار الزيتون ليست مجرد محصول عابر، بل تشكّل دعامة إقتصادية للمزارعين الفلسطينيين، و تساهم بنحو 8 % من الناتج المحلي الزراعي و تشغّل أكثر من 60000 عامل في الضفة الغربية. عرضها للقطع أو التأخير في حصادها لا يؤثر فقط على الدخل السنوي، بل يُشكّل تهديداً لإمكانية إستمرار المزارع على أرضه.
من جهة أخرى، يعاني المزارعون من حواجز و إجراءات تمنعهم من الوصول إلى أراضيهم أو تجعلهم يدخلون بمواعيد محدودة، ما يفاقم الأثر المادي و النفسي لهذا العنف. بينما تشير جهات حقوقية إلى أن بعض وحدات الجيش الإسرائيلي تقف جانباً أو تتقاعس عن الحماية، أو تضع شروطاً معقّدة للدخول، مما يثير سؤالاً حول من يحمي من يحصد الأرض بعرق جبينه.
بالرغم من التهديدات، فإن المزارعين الفلسطينيين ماضون في الحصاد، يُحضّرون الطعام و يجمعون العائلة في الحقول، في تجسيد لصمودهم و عنصر ثقافي عميق لديهم. لكن هذا يُرافقه شريك مظلم : خوفٌ دائم من أن تُنهَب أشجارهم أو يُمنَعون من الدخول أو يُعتَدى عليهم. نشطاء دوليون و إسرائيليون يحاولون التطوع لمرافقة الحصّاد، لكنهم بدورهم واجهوا ترحيلاً و إحتجازاً.
في هذا السياق، لا يُمكن فصل المعاناة الزراعية عن سياق الإحتلال الإمتدادي، و الإستيطان المتسارع، و حالة إنعدام المحاسبة التي تشكو منها المجتمعات الفلسطينية.
فالأرض التي تُحصد فيها الثمار، تُحصد أيضاً فيها جسور الأمل التي تراهن على الصمود، مقابل ضغطٍ يهدف إلى قضمها أو إجبار أصحابها على تركها. إنّ موسم زيتون هذا العام يتمحور حول أكثر من مجرد قطاف، إنه إختبار لقدرة مزارعين على الإستمرار رغم ما يُحيطهم من خطر.

