المال العام خط أحمر.. آن أوان المحاسبة بلا استثناء

في الوقت الذي تُخصّص فيه الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ملايين الدراهم لدعم الجمعيات والمشاريع ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والإنساني، تتسرب بين ثنايا هذا الدعم مظاهر مقلقة من العبث المالي وسوء التدبير، تتجاوز حدود الخطأ الإداري لتلامس أفعالاً يجرمها القانون وتضرب في عمق الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
لقد تحوّلت بعض الجمعيات، التي كان يُفترض فيها أن تكون شريكا في التنمية وخدمة المصلحة العامة، إلى واجهات لتصريف الدعم العمومي في اتجاهات غامضة، عبر اختلاسات وتبديد لموارد مالية رُصدت لأهداف نبيلة، لكنها لم تصل إلى مستحقيها. وهنا تكمن الخطورة: فكل درهم يُهدر من المال العام يعني مشروعا اجتماعياً لم يُنجز، وطريقا لم يُعبّد، وطفلاً لم يُمدّ بيد العون.
أمام هذه التجاوزات، تُطرح بحدة ضرورة تحرك الجهات الوصية وفي مقدمتها وزارة الداخلية، والمجالس الجهوية للحسابات، ومفتشيات المالية، من أجل فتح تحقيقات دقيقة وشاملة في كيفية صرف الدعم العمومي، وتتبع كل العمليات المالية المرتبطة به، مع تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية اللازمة.
كما أصبح من الضروري إلزام الجمعيات بتقديم تقارير مالية شفافة ومفصلة، تخضع للتدقيق والمراجعة، وإحالة ملفات التلاعب المالي على النيابة العامة والهيئات القضائية المختصة، حفاظا على المال العام، وردعاً لكل من تسوّل له نفسه العبث بثروات الوطن.
إن حماية المال العام ليست شعارا يُرفع، بل هي واجب وطني وأخلاقي لا يقبل التهاون أو التساهل. فكل درهم يُهدر هو ضربة موجعة لميزانية الدولة، وخيانة لثقة المواطنين الذين يؤدون الضرائب وينتظرون مقابلها خدمات وتنمية وعدلا اجتماعيا.
ولذلك، فإن المرحلة تقتضي حزما وصرامة في المراقبة والمساءلة، لأن التساهل مع المفسدين هو مشاركة في الجريمة بصمت. وحدها الشفافية والمحاسبة الصارمة قادرتان على إعادة الثقة في المؤسسات، وضمان عدالة توزيع الدعم وفعالية صرفه، حتى لا يبقى المال العام نهبا لأصحاب المصالح الضيقة تحت غطاء العمل الجمعوي.