معاناة يومية تقهر ساكنة قبيلة “ادشعود” في صمت… طرق غير صالحة، عطش دائم، وعزلة تامة عن العالم

معاناة يومية تقهر ساكنة قبيلة “ادشعود” في صمت… طرق غير صالحة، عطش دائم، وعزلة تامة عن العالم

في عمق الأرياف المغربية، وتحديدا ضمن نفوذ جماعة سيدي احساين أو علي، قيادة سيدي احساين، دائرة الاخصاص، إقليم سيدي افني، تعيش قبيلة “ادشعود” واقعا مريرا يشبه العيش في عزلة من قرون مضت. بعيدا عن ضجيج المدينــة ووعود التنمية، تواجه هذه الساكنة تحديات وجودية تمس أبسط حقوقها في العيش الكريم، من الماء والطرق إلى الاتصال والتعليم. إنها قصة معاناة صامتة ترويها وجوه الأهالي وتمشي على إيقافها خطوات أطفالهم نحو المدارس.

تبدأ المعاناة من الطريق المؤدي إلى القبيلة، والذي يشبه في كثير من أجزائه مسالك وعرة أكثر من كونه طريقا معبدة. هذه الطرق، التي تتحول إلى مستنقعات طينية مع أول شتاء، تشكل حاجزا أمام تنقل السكان، خاصة في الحالات الطارئة. كيف يمكن لسيارة إسعاف أن تصل إلى مريض في ظل هذه الظروف؟ السؤال نفسه يطرحه الفلاحون الذين يعانون من أجل نقل منتجاتهم إلى الأسواق القريبة، مما يفاقم من وضعهم الاقتصادي الهش. الطرق هنا ليست مجرد رفاهية، بل هي شريان حياة مقطوع، يزيد من حدة العزلة ويحبط أي أمل في الاندماج الاقتصادي.

في وقت تدق فيه التحذيرات العالمية من شح المياه، تعيش ساكنة ادشعود هذه المعاناة بشكل يومي وملموس. انعدام الماء الصالح للشرب ليس مجرد إزعاج، بل هو أزمة صحية واجتماعية. تضطر النساء والأطفال، في كثير من الأحيان، إلى قطع مسافات طويلة على الأقدام لجلب الماء من مصادر غير مأمونة، مما يعرضهم للمخاطر ويستنزف طاقاتهم. هذا الماء، الذي قد لا يكون نقيا، يحمل في طياته أمراضا ومشاكل صحية تثقل كاهل الأسر التي تفتقر بدورها إلى مراكز صحية مجهزة. الحق في الماء، ذلك المورد الأساسي للحياة، أصبح حلما بعيد المنال لسكان المنطقة.

إذا كانت الطرق تعزل الجسد، فإن غياب شبكة الهاتف والإنترنت يعزل العقل والروح. في القرن الحادي والعشرين، حيث أصبح الاتصال بالعالم مجرد نقرة على شاشة، تجد ساكنة ادشعود نفسها منقطعة تماما. هذا الغياب لا يعني فقط عدم القدرة على التواصل مع الأهل في المدن، بل يتعداه إلى حرمان التلاميذ من الوصول إلى مصادر التعلم الإلكتروني، ويعيق أي فرصة للعمل عن بعد أو التسويق الرقمي للمنتجات المحلية. الأشد خطورة هو أن أي طارئ صحي أو أمني لا يمكن الإبلاغ عنه إلا بالخروج من القبيلة والسفر إلى مناطق مجاورة، مما يضيع الوقت الثمين وقد يكلف الأرواح.

تكتمل حلقة المعاناة مع غياب النقل المدرسي. العديد من أطفال القبيلة، خاصة في جميع المستويات ، مجبرون على قطع كيلومترات طويلة سيرا على الأقدام للوصول إلى مؤسساتهم التعليمية. هذه الرحلة الشاقة، بغض النظر عن تقلبات الطقس، ليست فقط مجهدة جسديا، بل هي أحد الأسباب الرئيسية تسرب التلاميذ من التعليم، وخاصة الفتيات. العائلة التي تكافح من أجل الماء واللقمة، يصبح تعليم أبنائها رفاهية لا تقدر عليها عندما يتحول إلى رحلة محفوفة بالمخاطر كل يوم.
صورة المعاناة في قبيلة ادشعود هي نموذج لأوضاع العديد من القرى والديور المنسية في الخريطة التنموية للمغرب. هذه الساكنة لا تطلب مشاريع ضخمة، بل تطالب بحقوقها الأساسية التي كفلها الدستور: طريق، وشربة ماء نقي، واتصال بالعالم، وتسهيل وصول أطفالها إلى المدارس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *