كيف تنجح موسكو في تجاوز الحصار لمواصلة إنتاج المسيرات و الصواريخ ؟

كيف تنجح موسكو في تجاوز الحصار لمواصلة إنتاج المسيرات و الصواريخ ؟

في ظل العقوبات الغربية المشددة التي تستهدف تعطيل القدرة العسكرية الروسية، تبدو موسكو قادرة – و إن بصعوبة و تحمّل – على الحفاظ على عجلة الإنتاج الحربي تسير، خصوصًا في مجال الصواريخ و الطائرات المسيرة. ذلك النجاح لا يُعزى إلى معجزة، بل إلى مزيج من خطط إستراتيجية، تعدد المصادر، المرونة الصناعية، و تحايل ذكي على القيود المفروضة.

أولًا، روسيا بنت شبكة واسعة من المورّدين البديلين و الوسطاء الذين يحيّدون العقوبات بطرق قانونية أو شبه قانونية. فجزء من مكونات الصواريخ والمسيرات من “الإستعمال المزدوج” (dual-use)؛ تُستخدم في أجهزة إلكترونية مدنيّة، كاميرات، الإتصالات، و حتى أدوات التبريد الصناعية. هذا يجعل إكتشافها تحت بند الأسلحة أصعب، عالمياً.

ثانيًا، موسكو لا تنتظر أنحتها تُقطع؛ إنها تُعيد تأهيل الصناعات المحلية و تطوير القدرات الذاتية، حتى لو بجزءٍ من مكوناتها. من محركات الطائرات الصغيرة إلى أطر التوجيه الإلكتروني، تُحاول روسيا إستنساخ أو إستيراد بضعة مكونات ثم دمجها مع صناعاتها الداخلية لتجاوز النقص.

ثالثًا، التلاعب بالشحن و التوزيع يعد عنصرًا محوريًا في إلتفافها على العقوبات. عن طريق شركات وهمية، تغيير تسميات الشحنات (كمحركات صغيرة تُسجّل كأجزاء تبريد صناعي مثلاً)، إستخدام بلدان ثالثة كوسيط، أو طرق لوجستية غير مألوفة، تتم عمليات إدخال المكونات التي يصعب إنتاجها محليًا.

رابعًا، روسيا تلجأ إلى “التفكيك” (cannibalism) أي إستخراج المكونات من صواريخ أو منظومات قديمة لتجديد أخرى. كما تُقلل في بعض الحالات من المواصفات التقنية المتقدمة إذا لم تتوفر المكونات المطلوبة؛ فبدلاً من أجهزة توجيه أو رادارات متطورة، تستعمل نماذج بديلة أو أجزاء شبه جاهزة.

خامسًا، التعاون مع دول لا تشارك بالكامل في العقوبات أو التي تضع ضوابط أقل صرامة يعتبر عاملًا أساسيًا. الصين هي أحد هذه الشركاء في توريد المكونات الدقيقة و الرقائق الإلكترونية، و كذلك إيران في بعض جوانب الطائرات المسيرة.

مع ذلك، رغم هذه الإجتهادات، الإنتاج الروسي يواجه تأخيرات واضحة و صعوبات في تلبية الأهداف الزمنية و العقود العسكرية. يُلاحظ أن صواريخ مثل Kh‑59M2/M2A لا تُصنّع بالوتيرة المطلوبة، و التأخر سببه نقص المكونات الأجنبية و محليّة، و ضيق في القدرات التصنيعية.

في الختام، نجاح موسكو في تجاوز الحصار ليس مطلقًا، لكنه فعّال إلى حد كبير بفضل سلسلة من التكيّفات : تنويع الإمدادات، الإستعاضة المحلية، الحيلة اللوجستية، و التعاون مع شركاء لا يطبقون العقوبات بصرامة. لكن هذا النجاح مكلف، و يتطلب موارد ضخمة، و يظل هشًا أمام العقوبات الأكثر دقة و التنسيق الدولي الأقوى.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *