السباق مع الزمن قبل دخول المادة 3 حيز التنفيذ… النيابات العامة تسابق الوقت لإغلاق ملفات الفساد المالي

تشهد محاكم الاستئناف التي تضم أقسام جرائم المال العام بكل من الرباط، الدار البيضاء، فاس ومراكش، هذه الأيام، حالة من الاستنفار غير المعلن، إذ يسارع الوكلاء العامون للملك الزمن من أجل تصفية الشكايات والوشايات والمحاضر المرتبطة بجرائم المال العام قبل حلول شهر دجنبر المقبل.
هذا الحراك المكثف يأتي، بحسب عدد من المتتبعين، في سياق الدخول المرتقب للمادة 3 من قانون المسطرة الجنائية حيز التنفيذ، وهي المادة التي اعتبرها كثيرون “نقطة تحول مثيرة للجدل”، لأنها تقيّد صلاحيات النيابة العامة في تحريك الأبحاث والمتابعات المتعلقة بالفساد المالي، وتربطها عملياً بتقارير تصدر عن المفتشيات العامة لكل من وزارتي الداخلية والمالية.
ويرى الحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن هذا التعديل “يشكل انتكاسة خطيرة في مسار مكافحة الفساد، وضرباً صريحاً لمبدأ فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة”، مضيفاً أن “النيابة العامة ستتحول بموجب هذا النص إلى جهاز تابع للإدارة بدل أن تكون سلطة مستقلة تمثل المجتمع وتسهر على حماية المال العام”.
ويعتبر الغلوسي أن المادة الجديدة جاءت ثمرة “ضغوط لوبيات نافذة مستفيدة من واقع الفساد والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح”، مؤكداً أنها تهدف إلى تحصين بعض النخب الحزبية المتورطة في تبديد المال العام، والتي سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن رصد تجاوزاتها في تقاريره، سواء من خلال تبديد أموال عمومية مخصصة للأبحاث والدراسات أو إعداد وثائق صورية لتبرير صرف اعتمادات دون وجه حق.
ويضيف أن بعض الأحزاب “رفضت إرجاع الأموال العمومية التي صرفتها بشكل غير قانوني رغم التحذيرات المتكررة من المجلس الأعلى للحسابات”، معتبراً أن ما يجري اليوم “هو تغوّل للفساد على المؤسسات والمجتمع، وتكريس لواقع الريع والاحتكار وتضارب المصالح”.
وبينما تقترب ساعة الصفر لدخول المادة 3 حيز التنفيذ، يتواصل السباق المحموم داخل النيابات العامة لإحالة الملفات العالقة على الشرطة القضائية أو قضاة التحقيق، حتى لا تُطوى نهائياً بفعل القيود الجديدة.
ويحذر الغلوسي من أن هذا المسار “سيؤدي عملياً إلى إقبار تجربة أقسام جرائم المال العام، التي شكلت في السنوات الأخيرة نافذة أمل لمحاربة الفساد واسترجاع الثقة في المؤسسات”.
ويختم الغلوسي مقاله بدعوة صريحة للحكومة إلى تحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية، مؤكداً أن “الشباب الذي يخرج اليوم للاحتجاج لا يحتاج من يصوغ له مطالبه، فمطالبه واضحة: يريد حكومة مسؤولة تحترم الدستور وتقطع مع الفساد والريع بدل أن تكرسه”.