عندما يرسم التاريخ معالم الحاضر : الحسن الثاني في قلب النهضة المغربية

مرَّت 27 سنة منذ رحيل الملك الحسن الثاني، و مع ذلك لا يزال إرثه ينبض في مسار المغرب المعاصر، ليس كذكريات ماضية فقط، بل كبنية مؤسساتية و روحية و سياسية تُشكّل يوميات المملكة.
الملك الحسن الثاني، الذي حكَم المغرب من 1961 إلى 1999، أسّس لأُسس الدولة الحديثة بأسلوب يمزج بين السلطة، الحكمة، و الإصرار، و ورثه جلالة الملك محمد السادس نصره الله من بعده، لا في الألقاب فقط، بل في المشاريع، الرؤى، و المعاني.
من السياسات التي لا تزال حاضرة اليوم “مغربة الإقتصاد” (Moroccanization)، التي بدأها الحسن الثاني في السبعينات، و التي حولت ملكية المؤسسات، الأراضي، و النشاطات الكبرى إلى أيدي مغربية، مؤسساتًا الدولة في قيادة التنمية الداخلية، و تعزيز الشعور بالملكية الجماعية للمصير الإقتصادي.
ثم هناك سياسة السدود؛ فالبنية التحتية المائية التي أطلقها الحسن الثاني كانت دعامةً أساسية للإستقرار الزراعي و الأمن المائي، و لا تزال محورية اليوم ضمن الإستراتيجيات الوطنية للماء، حيث الإنكباب على بناء سدود جديدة، صيانة القديمة، و تقوية التزويد المائي، ليس فقط للإستهلاك، بل لتكريس التنمية في المناطق القروية و المناطق الهشة.
على الصعيد الخارجي، لا يزال التمسك بالوحدة الترابية للصحراء، و الإنخراط الدبلوماسي النشط، شعارًا يرثه الملك محمد السادس، من إصرار الحسن الثاني على ممارسة الدبلوماسية، و المبادرة الشعبية مثل المسيرة الخضراء التي أرست موقف المغرب في القضايا المصيرية، و وضعت معالم لسياسة تعتمد القوة المرموقة، و الرمزية الوطنية.
و ليست القيم وحدها هي الموروث، بل أيضًا أسلوب الإدارة، مدرسة في القيادة : الحسن الثاني تعلم كيف يوازن بين المحافظة على الثوابت من جهة – الدين، الملكية، الهوية الإسلامية – و بين الإنفتاح على التحديث و الإصلاح السياسي و الإجتماعي. هذه الموازنة الكبرى تراها اليوم في السياسات التي تدعو إلى العدالة المجالية، الحد من الفوارق بين الجهات، تعزيز البنى التحتية، تحسين الخدمات الصحية و التعليمية، دون التخلي عن رمزية العرش، الهوية، و الإنتماء.