جيل Z بين غضب الشارع وتحديات الانتماء

جيل Z بين غضب الشارع وتحديات الانتماء
بقلم: بوشعيب نجار

شهدت مدن مغربية عدة، خلال الأيام الأخيرة، موجة من الاحتجاجات انطلقت في سياق اجتماعي متوتر، لكنها سرعان ما خرجت عن إطارها السلمي، لتتحول إلى أعمال شغب استهدفت مؤسسات الدولة. فقد تعرضت مقرات للدرك الملكي ومركبات للقوة العمومية في القليعة وآيت عميرة وإنزكان وسلا لاعتداءات خطيرة، في مشاهد غير مألوفة عكست حجم الأزمة التي يعيشها جيل جديد، يُصطلح على تسميته بـ”جيل Z”.

هذا الجيل، الذي وُلد في زمن الثورة الرقمية وتربى على إيقاع مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتشبع بالضرورة بقيم المواطنة والانتماء، ولم يعرف معنى الاحتجاج السلمي المؤطر كما كان عليه الحال في العقود الماضية. فالمطالب المشروعة المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل، التي أكد عليها دستور 2011، ضاعت في زحمة خطاب سياسي باهت، وأحزاب تقليدية فقدت القدرة على تجديد خطابها أو احتواء طموحات الشباب.

العوامل الاجتماعية والاقتصادية عمّقت هذا الاحتقان: هشاشة تربوية، تفشي الرشوة في القطاع الصحي، بطالة متفاقمة، وانعدام تكافؤ الفرص. ومع هذه الأزمات، أصبح جزء من الشباب أكثر عرضة للانجرار وراء خطاب الفوضى بدل ثقافة الحوار. الأخطر أن الاحتجاجات لم تبق سلمية، بل تحولت إلى أعمال عنف وتخريب تنذر بمخاطر جدية على السلم الاجتماعي.

ولا يمكن إغفال أن هناك أيادي خارجية سعت إلى صب الزيت على النار. فقد كشفت معطيات متداولة عن تورط الذباب الإلكتروني القادم من الجارة الشرقية في التحريض على الفوضى عبر صفحات ومنصات مشبوهة، إضافة إلى استغلال بعض العناصر الانفصالية التابعة لجبهة “البوليساريو” لمحاولة إشعال الوضع عبر الاعتداء على مراكز للدرك ومحاولة الاستيلاء على أسلحة. هذه الوقائع تؤكد أن الأمر لم يعد مجرد تعبير اجتماعي عن الغضب، بل بات جزءاً من حرب ناعمة تستهدف استقرار المغرب.

أمام هذه الصورة المعقدة، تتحمل الحكومة والأحزاب السياسية ومعها مؤسسات المجتمع المدني مسؤولية جسيمة. فالشباب تُرك في فراغ قاتل، دون تأطير حزبي أو سند جمعوي، في وقت عجزت فيه النخب السياسية عن منحهم موقعاً داخل المنظومة. والنتيجة جيل يشعر بالاغتراب داخل وطنه، ويبحث عن ذاته بطرق قد تنزلق إلى العنف.

إنها لحظة حاسمة تتطلب مراجعة جذرية. فإصلاح التعليم والصحة والتشغيل لم يعد ترفاً بل ضرورة مصيرية، وإعادة الاعتبار لدور الأسرة والمدرسة والأحزاب والجمعيات لم يعد خياراً بل شرطاً للحفاظ على الاستقرار. إن تكوين جيل واثق بنفسه، مؤمن بوطنه، وقادر على التعبير عن مطالبه بشكل حضاري، مسؤولية مشتركة. والتأخر في القيام بها قد يفتح الباب أمام انفلاتات أكبر من قدرة الدولة والمجتمع على احتوائها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *