تفوُّق الربح يُهمش الحياة : كيف إنهار القطاع الصحي العمومي في ظل تغوّل الخاص ؟

في كل صباح، يستيقظ أغلب المغاربة على وقع طوابير الإنتظار الطويلة، نقص الأطباء، و إبتعاد التكوين الطبي عن الواقع.
أثناء ذلك، يزداد نفوذ المصحات و العيادات الخاصة التي تنظّم خدماتها حسب ميزان الربح أكثر من حاجات المواطن.
هذا الإنزياح ليس مجرد فشل إداري، بل أزمة مركّبة تفضح هشاشة الصحة العمومية في المغرب.
ما لا يعرفه الكثيرون أن دعوات الإصلاح الصحي لا تُعزى تقليديًا لأمراضٍ وبائية فقط، بل إلى تزايد إستنزاف الدولة لقطاع الصحة العمومية من مواردٍ بشرية و مادية، لصالح إستثمارات خاصة تُقدم خدمات طبية “متميزة” لمن يدفع أكثر.
فقد بيّن تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن “طبيعة و شكل حضور القطاع الخاص في النظام الصحي الوطني، يشكّل أحد أهم العوائق أمام الحق في الصحة.”
حين تدفع الدولة بهدف تشجيع العيادات و الإستشارات الخاصة، فإن ذلك لا يولِّد بالضرورة جودة أو دواما؛ بل يُرهِق القدرة الشرائية للمواطن البسيط.
فقد أوضح تقرير لـ “الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة و الحق في الحياة” يكشف أن المواطن موظّف الطبقة المتوسطة أو الفقيرة غالبًا ما يدفع “من جيبه” ما يزيد على نصف مصروفات العلاج رغم إمتلاكه للتغطية الصحية، في حين المرافق العمومية تفتقر إلى الأطر و التجهيزات الضرورية.
إضافة إلى العبء المالي، هناك مشكلة التوزيع الجغرافي : القطاع الخاص يركز في المدن الكبرى و المناطق الحضرية الميسورة، في حين تفتقر المناطق النائية إلى المستشفيات لسنوات، أو تصبح محطّ ترحال المرضى نحو المراكز الحضرية، و هو ما يزيد “المسافة الزمنية” بين المريض و الرعاية المطلوبة.
ثمّ تأتي الحكامة كمفتاحٍ أساسي يُفضي إما إلى الإنهيار أو إلى الإصلاح. ضعف الرقابة على جودة الخدمات الخاصة، شفافية التكاليف، مسؤولية الأطر الصحية، توزيع الموارد البشرية كلها عوامل تغذّي الأزمة.
و تقرير أكاديمي آخر يقيم الكفاءة التقنية للمستشفيات العمومية بالمغرب بإستخدام طريقة DEA يشير إلى أن غالبيتها تحقق تقريبا 70٪ فقط من الكفاءة المتوقعة، مما يعني وجود هدر في الموارد أو إستخدام غير أمثل لها.
النتيجة لا تُحصى : المواطن العادي يدفع ضريبة تفوّق الربح على الكرامة؛ الصحة تُصبح سلعة، و ليس حقًا مضمونا و متساويًا.
إن لم تقم الدولة بالإستثمار في العمومي، و تضع الخاص تحت رقابة أكثر، و تعيد توزيع الأطباء و التجهيزات حسب الحاجات، فستبقى المعاناة اليومية حكراً على من لا يملك خيارًا آخر.