قراصنة في العتمة الرقمية: تحذيرات رسمية من استهداف حسابات Google ومعركة مفتوحة مع التصيّد الاحتيالي

قراصنة في العتمة الرقمية: تحذيرات رسمية من استهداف حسابات Google ومعركة مفتوحة مع التصيّد الاحتيالي

 

في زمنٍ باتت فيه البيانات أثمن من الذهب، والهوية الرقمية أغلى من أي وثيقة ورقية، أطلقت المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، عبر ذراعها اليقِظة المتمثلة في مركز الرصد والتصدي للهجمات المعلوماتية (maCERT)، تحذيراً شديد اللهجة من خروقات أمنية واسعة النطاق استهدفت حسابات مستخدمي خدمات Google، وعلى رأسها البريد الإلكتروني Gmail، الذي يُعد بوابة الحياة اليومية للملايين حول العالم.

هذه التحذيرات لم تأتِ من فراغ؛ إذ كشفت وثيقة رسمية مسرّبة أن مجموعة منظمة من القراصنة استطاعت التسلل إلى قاعدة بيانات مرتبطة بمنصة Salesforce، في عملية وُصفت بأنها “جراحة رقمية دقيقة” أفضت إلى حصولهم على معطيات شخصية حساسة تخص ملايين المستخدمين. بيانات قد تبدو للبعض بسيطة كالأسماء وأرقام الهواتف والمعلومات المهنية، لكنها في عالم الجريمة السيبرانية تُعادل مفاتيح بوابة ضخمة، تمكّن المخترقين من نصب شباكهم لاصطياد الضحايا بحيل مُتقَنة.

ولعلّ ما يزيد من خطورة الموقف أن عدداً من مستخدمي Gmail أفادوا بتوصلهم فعلاً برسائل إلكترونية تحمل شعارات Google أو بمكالمات هاتفية من أشخاص ينتحلون صفة موظفي الشركة. كلماتهم مطمئنة، لكن فخاخهم قاتلة: إشعارات بوجود خرق أمني، طلبات عاجلة لتأكيد الحساب، أو دعوات للنقر على روابط مريبة. كلها محاولات متقنة للتصديع بثقة المستخدم ودفعه نحو تسليم مفاتيح هويته الرقمية على طبق من ذهب.

في هذا السياق، قال الخبير المغربي في الأمن السيبراني أنس أبو الكلام إن “البيانات المسربة، رغم أنها لا تتضمن كلمات مرور، إلا أنها كافية لإطلاق موجات متتالية من الهجمات الاحتيالية، سواء عبر البريد الإلكتروني أو من خلال اتصالات هاتفية ذكية تستغل عنصر الخوف والإقناع”. وأضاف أن خطورة هذه التسريبات تكمن في قدرتها على فتح أبواب ثانوية للوصول إلى معطيات أشد حساسية.

وأمام هذا المشهد المعقد، شدّد الخبير على جملة من التدابير الوقائية التي باتت بمثابة “طقوس رقمية واجبة” لكل مستخدم: عدم النقر على أي رابط مشبوه، التحقق بعناية من صحة المواقع، تفعيل آلية التحقق بخطوتين، وتغيير كلمات المرور بشكل دوري. كما أوصى بعدم تكرار استخدام كلمة السر نفسها عبر أكثر من حساب، باعتبار ذلك خطأً قاتلاً يفتح شهية القراصنة لمزيد من الاختراقات.

لكن، ورغم قسوة التهديد، ثمة بريق أمل يطل من جهة أخرى. فقد أطلقت المديرية العامة للأمن الوطني تطبيقها المبتكر Mon e-ID، الذي يتيح للمواطنين استخدام بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية كجسر آمن للولوج إلى الخدمات الرقمية. ويصف أبو الكلام هذه الخطوة بأنها “درع سيبراني متين”، يضع بين أيدي المستخدمين أداة موثوقة لحماية هويتهم في فضاء يزداد توحشاً يوماً بعد يوم.

إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد مواجهة تقنية عابرة، بل هو فصل جديد من معركة كونية بين القراصنة والوعي الرقمي فالمستقبل لم يعد حكراً على من يملك المال أو السلطة، بل على من يحسن صون بياناته، ويجعل من الحذر سلاحاً، ومن الوعي حصناً، ومن التكنولوجيا خادماً لا سيّداً.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *