من يظن أن الفساد السياسي و المالي والإداري ساد وتغول في بلادنا، فعليه أن ينتظر قبل الحسم

في زمن يسوده الشك، وتنهشه الفضائح، بات من السهل على العامة أن يحكموا بأن الفساد قد ساد، وتغوّل، وصار داءً مستعصياً لا يُرجى منه شفاء. لكن، وقبل أن نغلق باب الأمل ونرتمي في أحضان الإحباط، علينا أن نتريث ونفهم أن بعض ما يُحسب فساداً ليس إلا قناعاً لكشف الفساد الحقيقي، وأن بعض الخطط التي تبدو كارثية، قد تكون تمويهات استراتيجية لاختبار الولاء وكشف خبايا جحر الوحوش.
فالفساد، في صوره الثلاث: المالي والإداري والسياسي، لا يمكن إنكاره، وهو مرض أصاب مفاصل متعددة في الإدارة والسلطة. غير أن من الحكمة في الأمر هو أن البعض لا يراه خطيئة، بل يعتبره “دراسة” و”خطة بعيدة المدى” و”تكتيكاً لمعرفة من يحب الوطن ومن ينهب خيرات الوطن”. قد يبدو هذا القول ضرباً من السخرية، لكن الحقيقة أن كثيراً من الأجهزة والمؤسسات بدأت تنهج مسار التقصي والترقب والتمحيص قبل الحسم، على أمل أن تميز الصادق من المدّعي، والمصلح من المنتفع.
إن بناء وطن متين لا يمكن أن يكون الفساد أحد أعمدته، بل لا بد أن يُقتلع من الجذور، لا بالمجاملات ولا بالمسكنات، بل بجرأة المواجهة والاعتراف، ثم بالعمل الجماعي المخلص. والاستعداد لمستقبل مشرق لا يتحقق بالكلام المنمق، وإنما بالتضحية، ومواجهة الذات، وتحمل مسؤولية تصحيح ما تم إفساده.
وكما يقول المثل: “كشف الخسارة مبكراً خير من ربح متأخر”. وهذا ينطبق تماماً على من يملك الجرأة لفضح الفساد في مهده، عوض أن ينتظر حتى يتحول إلى وحش يصعب ترويضه.
الخلاصة أن الطريق طويل، لكنه ليس مسدوداً. والتغيير ممكن، لكنه يتطلب شجاعة وتضحيات. وربما يكون من بين من نظنهم فاسدين من يعملون في صمت لكشف المستور. فالوقت كفيل بفضح الأقنعة، وإظهار من يريد بناء وطن يستحق الحياة، ومن يتخفى وراء شعارات الوطنية لنهب ما تبقى منها.
“وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” – [التوبة: 105]