التراب المغربي ليس مستباحا، المغرب للمغاربة فقط!

تحوّلت قضية الهجرة غير النظامية في المغرب من ظاهرة ظرفية إلى واقع يومي يفرض نفسه على الدولة والمجتمع معًا. فالمملكة التي كانت تُعرف لعقود طويلة كبلد عبور، أصبحت اليوم بلد استقبالٍ لآلاف المهاجرين، خصوصًا من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ممن اختاروا الاستقرار فوق ترابها، إما اختيارًا أو اضطرارًا، بعدما ضاقت بهم السبل نحو أوروبا.
هذا الواقع المستجدّ يضع المغرب أمام معادلة معقدة، حيث تتقاطع فيها اعتبارات إنسانية مشروعة، بمصالح وطنية لا تقبل المساومة. فالدولة، بما هي كيان سيادي، مسؤولة عن حماية أمنها، واستقرارها، وتنظيم وجود كل من يعيش على أرضها. وهي في الآن ذاته ملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان، وبالمواثيق الدولية التي تدعو إلى احترام كرامة كل فرد، بغض النظر عن وضعه القانوني.
لكن، في خضم هذا التوازن الدقيق، تبرز تحديات ملموسة لا يمكن إنكارها. ذلك أن تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين، في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، طنجة، الناظور وفاس، ترافق مع مشاهد مقلقة من الهشاشة والتهميش، بل وأحيانًا من الفوضى التي تؤثر على حياة الساكنة، وتُثقل كاهل الخدمات العمومية. إذ ليس خافيًا على أحد أن المستشفيات العمومية، والمدارس، وحتى الفضاءات الحضرية، باتت تحت ضغط كبير، يتجاوز في بعض المناطق طاقتها الاستيعابية.
الأمر لا يتعلق هنا بإلقاء اللوم على المهاجرين، فهم ضحايا قبل أن يكونوا مسؤولين عن وضعهم. لكن تحميل المغرب وحده عبء الفشل التنموي في مناطق إفريقيا جنوب الصحراء، أو فشل السياسات الأوروبية في تدبير حدودها، هو ظلم صريح في حق بلدٍ يُطالب فقط باحترام قانونه، وسيادته، وقدرته المحدودة على الاستيعاب.
ترحيل المهاجرين غير النظاميين، في هذا السياق، لا ينبغي أن يُفهم كقرار عدائي أو تراجع عن المكتسبات الحقوقية، بل كضرورة تنظيمية تقتضيها المصلحة الوطنية. فالدول لا تُبنى على النوايا الحسنة فقط، بل على احترام القانون، وحماية الأولويات، وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. ومن غير المقبول أن يُترك المواطن المغربي يشعر بأنه غريب في بلده، في الوقت الذي تُدار فيه بعض الملفات الحساسة بتردد مفرط تحت ضغط الخارج أو بدافع الحرج الحقوقي.
القول بأن “المغرب للمغاربة” لا ينفي أن يكون منفتحًا، مضيافًا، متضامنًا. بل هو تعبير عن الحاجة إلى سياسة هجرة متزنة، عادلة، وشفافة، تُراعي طاقة البلد، وتحمي كرامة الجميع، دون أن تتجاهل أن للمواطن الحق في الأمن، والعيش الكريم، وفي أن يشعر بأن بلده لا يتخلى عنه لصالح من لا يربطه بهذه الأرض سوى وضع غير قانوني.
قضية الهجرة غير النظامية لن تُحلّ بشعارات عاطفية، ولا بحلول أمنية فقط، بل تتطلب رؤية وطنية شاملة، تُعيد الاعتبار للقانون، دون التخلي عن الروح الإنسانية. المغرب بلدٌ يحترم التزاماته، لكنه أيضًا بلد له سيادة، وله أولويات يجب أن تكون واضحة وثابتة: كرامة المواطن أولًا، واحترام القانون فوق الجميع.