شهادة السكنى… بين شرعية القانون وتضارب المؤسسات

شهادة السكنى… بين شرعية القانون وتضارب المؤسسات
بقلم بوشعيب نجار:

يبدو أن شهادة السكنى، تلك الوثيقة الإدارية البسيطة التي اعتاد المواطن المغربي الحصول عليها من السلطة المحلية، لم تعد اليوم تحظى بذات القوة الاعتبارية أمام بعض المحاكم المغربية، خصوصًا في ملفات الأسرة التي تتطلب إثبات السكن ضمن دائرة النفوذ الترابي للمحكمة.

ففي مفارقة قانونية لافتة، يطالب القضاء في حالات متعددة بإرفاق الطلبات بشهادة سكنى مسلمة عن طريق مصالح الشرطة، بدلًا من تلك التي تصدرها القيادة أو الباشوية، رغم أن هذه الأخيرة تتمتع بصلاحيات قانونية واسعة في هذا المجال، استنادًا إلى الصفة الضبطية التي يملكها رجال السلطة الترابية.

هذا التضارب، الذي لم يجد له المشرع المغربي بعد أي معالجة صريحة، يجعل المواطن في وضعية ارتباك قانوني وإداري، حيث يجد نفسه بين مطرقة الإدارة المحلية وسندان التفسير القضائي. فمن جهة، يُفترض أن وزارة الداخلية عبر أعوانها المحليين هي الجهة المخوّل لها التحقق من مقر سكنى المواطنين وتسليم الشواهد المتعلقة بذلك، وفقًا لما تنص عليه القوانين التنظيمية المنظمة للسلطة الترابية. ومن جهة أخرى، يصرّ بعض القضاة على ضرورة الاستناد إلى شهادة السكنى المسلمة من طرف الشرطة، لاعتبارها أكثر دقة من حيث التحقيق والتحري.

وقد كشف مصدر جيد الاطلاع لموقعنا أن مواطنًا مغربيًا تقدم بطلب تذييل عقد زواج أبرمه بموريتانيا، تفاجأ بقرار قاضي الأسرة بالمحكمة الابتدائية، الذي طالبه بضرورة إرفاق الملف بشهادة سكنى مسلمة من طرف مصلحة الشرطة، رغم توفره على شهادة قانونية صادرة عن السلطة المحلية التي تُعدّ وفق التنظيم الإداري الجهة الأصلية المختصة بالملف.

المفارقة لا تقف عند هذا الحد، إذ إن الحصول على شهادة السكنى من مصالح الأمن الوطني يُربط غالبًا بضرورة تقديم ملف خاص بالحصول على البطاقة الوطنية للتعريف، ما يجعلها عمليًا غير متاحة لمن لا يُباشر هذا الإجراء، رغم أن الأمر يتعلق بإثبات قانوني له تبعات قضائية حاسمة.

وفي ظل غياب نص قانوني صريح يحسم في الجهة الرسمية المُعتد بها في تسليم شهادة السكنى لأغراض قضائية، تظل السلطة التقديرية للقاضي هي الفيصل في تقييم مدى حجّية الوثيقة، ما يفتح الباب أمام اجتهادات قضائية متباينة قد تضر بحقوق المتقاضين، وتُرسّخ ازدواجية في التعامل مع وثائق رسمية صادرة عن الدولة.

إن هذا الواقع يُلقي الضوء من جديد على ضرورة تدخل المشرع المغربي لإعادة تنظيم مجال اختصاصات إصدار شهادة السكنى، ووضع حد لهذا التنازع الإداري الصامت الذي يعصف بحق المواطنين في ولوج العدالة على أسس واضحة ومستقرة.

بقلم: بوشعيب نجار
صحفي وطالب باحث في الشؤون القانونية والسياسية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *