جيل تحت الضغط… ومهمة البناء الجديد

جيل تحت الضغط… ومهمة البناء الجديد
بقلم: د. عبد الإله طلوع – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

ليس الشباب “مشكلة ديمغرافية” أو “فئة ينبغي احتواؤها”، كما يحلو لبعض التقارير أن تصنفه، بل هو السؤال الأخلاقي والسياسي الأكبر الذي يواجه الدولة الحديثة: هل نبني المؤسسات من أجل المستقبل أم من أجل إدارة التوازنات؟ هل ننظر إلى الشباب كاحتياطي بشري في زمن الأزمات، أم كقوة اقتراح وبناء في زمن الانتقال؟

جيل اليوم ليس محظوظًا كما قد يُعتقد؛ لقد وُلد في ظل اقتصاد هش، وسياسة مشوشة، ومدرسة فقدت بوصلة التنوير، وفضاء عمومي يضيق أكثر فأكثر، جيل لا يثق في من يتحدث باسمه، ولا في المؤسسات التي يُطلب منه التصويت لها، ورغم كل هذا، ما زال هذا الجيل قادرًا على التفكير، وعلى النقد، وعلى الحلم. وما زال يحمل في روحه جذوة رفض صامتة، تتجلى في أشكال جديدة من التعبير الفردي والجماعي.

لكن المعضلة الحقيقية لا تكمن في غياب الأفكار أو انطفاء الأمل، بل في غياب الحاضنة التي تحوّل الحلم إلى مشروع، وتحمي الطموح من التآكل.
فالدولة تتحدث كثيرًا عن “إشراك الشباب”، لكنها لا تفتح أمامه دوائر القرار، تنشئ مجالس ومؤسسات باسمه، لكنها تُبقيه خارج دائرة التأثير، تُعلن عن “استراتيجيات وطنية” كل خمس سنوات، لكن دون تقييم أو تراكم، فتبدو تلك السياسات أقرب إلى حملة ترويجية منها إلى إرادة حقيقية للتغيير.

إن الرهان الحقيقي اليوم هو بناء علاقة جديدة مع الشباب، علاقة لا تقوم على الوصاية، ولا على الشك، بل على الاعتراف بالكرامة والقدرة. علاقة تؤمن بأن الشباب ليس “قنبلة موقوتة” كما يُروّج له أحيانًا، بل هو خزان الطاقة التي يمكن أن تعيد الروح إلى المجتمع ومؤسساته، متى ما أُزيلت العوائق أمامه.

الشباب المغربي اليوم ليس منعزلًا عن العالم؛ إنه يعيش في زمن العولمة الرقمية، يتابع ما يقع في أمريكا اللاتينية كما يتابع ما يقع في مدينته، إنه يقارن، ويقارن كثيرًا: بين ما يُقال في الخطابات، وما يُعاش في الواقع، فبين الديمقراطية كعنوان في الدستور، والاستبداد كقاعدة في الممارسة، وبين قيمة المواطنة كشعور وانتماء، واللامبالاة كآلية دفاع نفسي ضد التهميش والتجاهل.

في ظل هذا التوتر بين الانفتاح الرقمي والانغلاق السياسي، تبرز مبادرات شبابية كثيرة: من الفن الملتزم، إلى حملات التضامن، إلى حركات بيئية ورياضية ومبادرات تعليمية في الأحياء المهمشة. إنها تعبيرات عن رغبة في المشاركة، لكنها تتم خارج المؤسسات. وهذا ما ينبغي أن يقلق صناع القرار: حين تصبح السياسة الرسمية غير قادرة على استيعاب الطاقة الاجتماعية، فإننا نكون أمام شرخ عميق في العقد الاجتماعي.

ليس المطلوب اليوم أن نحول الشباب إلى “جنود في معركة التنمية”، كما لو أننا نستثمر فيه فقط حين نحتاج إلى تعبئة. بل المطلوب هو إعادة تعريف التنمية ذاتها، انطلاقًا من أسئلة الشباب: عن العدالة، عن الكرامة، عن الأفق، عن الحق في الخطأ كما الحق في المبادرة.

لقد أثبت التاريخ أن المجتمعات لا تتقدم حين تحتقر شبابها، بل حين تُصغي إليهم، وتفسح لهم المجال لتجريب أفكارهم، ولو أخطأوا. لأن الخطأ في طريق التعلّم والمواطنة أرحم من الترويض والانصياع.

جيل تحت الضغط لا يعني بالضرورة جيلًا منهارًا. بل جيلًا يقف على حافة التحوّل، ويحتاج فقط إلى إشارات إنصات حقيقية، لا خطابات مكرورة. جيل ينتظر من النخب السياسية والثقافية أن تكف عن الحديث باسمه، وأن تعترف بأنه لم يعد يقبل العيش في ظل تأجيل دائم.

المهمة اليوم ليست “توجيه الشباب”، بل التواضع للإنصات إليه… والبناء معه… وبه. فمن دون هذا الجيل، كل حديث عن المستقبل سيكون مجرد صدى في فراغ.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *