حين يلهث الذكاء الاصطناعي ونحن نرقص في “موازين”

حين يلهث الذكاء الاصطناعي ونحن نرقص في “موازين”
بقلم الدكتور عبد الإله طلوع

لا أحد يطالب المغاربة بابتكار “شات مغرب GPT”، ولا بصناعة رقائق نانوية في ورش حي يعقوب المنصور، ولكن من المعيب أن نحتفل بمنجزات الذكاء الاصطناعي ونحن لا نُدرك حتى معناها. في مهرجان “موازين”، ظهر فنان مغربي شهير وهو يغني بتقنية “البلاك باي”، وهي أداة صوتية مدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي. الكل صفق، الكل رقص، والكل فرح… لكن دون أن يتساءل أحد: ماذا يعني أن يغني الذكاء الاصطناعي بدل الإنسان؟ وأين ينتهي الإبداع البشري، وأين يبدأ “الاستنساخ الخوارزمي”؟

نحن نرقص في زمن يتطلب التفكير، ونحتفل بينما تنشغل أمم أخرى بإعادة هيكلة مستقبلها وفق خرائط الذكاء الصناعي.
فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد “تطبيق ممتع”، بل مشروع كوني يعيد تشكيل مفاهيم العمل، السلطة، الفن، وحتى الإنسان نفسه. في أمريكا، يجري النقاش حول تقنين الذكاء الاصطناعي في القضاء.
في أوروبا، تُكتب أخلاقيات الخوارزميات في برلمانات ديمقراطية.
في الصين، تُصاغ السياسات الأمنية على أساس قدرة الآلة على التعلُّم.
أما نحن؟ فننبهر عندما تغيّر آلة صوت مغنٍّ مغمور ليبدو أكثر إثارة!

لا أحد في المهرجان سأل نفسه: من يتحكم في هذه التقنيات؟ من يملك خوارزميات الصوت؟ من يُوجّه ذوقنا الفني ونحن نعتقد أننا “نختار”؟ التكنولوجيا ليست محايدة، فهي تعكس سلطات غير مرئية. والإبهار السطحي لا يعوّض غياب البنية التحتية للبحث العلمي، ولا يُخفي هشاشة مؤسسات التربية والإعلام في مواكبة هذا التحول العالمي.

إن أخطر ما يحدث اليوم هو أننا لا نستهلك التكنولوجيا… بل نستهلك أنفسنا أمامها. نتحول إلى مشاهدين دائمين في مسرح لم نكتب له نصًّا، ولم نُشارك في إخراجه، الذكاء الاصطناعي يعيد صياغة شروط وجودنا، ونحن نعيش اللحظة كأنها كرنفال. كم يبدو المشهد غريبًا: نحن نضحك مع الآلة، بينما العالم يبكي من اختلال موازين القوة الجديدة!

لقد آن الأوان لكي يتحول سؤال الذكاء الاصطناعي من نقاش نخبوي إلى قضية وطنية، تُطرح في المدرسة كما في البرلمان، في الإعلام كما في الجامعة، أن نرقص في موازين ليس عيبًا، ولكن أن نرقص على وقع تقنيات لا نفهمها، فذلك أخطر أشكال الاستسلام الحضاري.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *