أزلو محمد يكتب: إشكالية الكلاب الضالة في المغرب “خطر متزايد يستدعي حلا جذريا”

شهدت المدن المغربية، سواء الكبرى منها أو الصغرى، خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعًا ملموسًا في ظاهرة الكلاب الضالة التي تجوب الشوارع والأزقة، لتتحول إلى مصدر قلق يومي يهدد سلامة المواطنين، ويثير تساؤلات حقيقية عن جدية التدابير المتخذة لمعالجة هذه المشكلة المزمنة. في ظل غياب استراتيجيات فعالة ومستدامة، أضحت هذه الظاهرة أكثر من مجرد مشهد عابر، بل باتت قضية اجتماعية وصحية تستوجب التدخل العاجل.
الكلاب الضالة ليست مجرد حيوانات تجوب الطرقات بلا هدف؛ إنها كائنات تحمل في طياتها احتمالات خطيرة قد تكون قاتلة. فقد تسببت هذه الحيوانات في حوادث مؤسفة تراوحت بين التعرض لعضات أو خدوش قد تكون مميتة إذا تسببت في نقل أمراض خطيرة مثل داء الكلب (السعار)، وبين إثارة الذعر والخوف بين الساكنة، خصوصًا في المناطق المعزولة أو خلال الفترات الليلية.
المشكلة لا تقف عند التهديد المباشر لحياة الأفراد وسلامتهم الجسدية، بل تمتد إلى التأثير النفسي والاجتماعي. أصبح الأطفال يخشون اللعب في الحدائق العامة، والنساء يتجنبن المشي في الأزقة الضيقة، فيما يشعر كبار السن بالقلق حتى على عتبات منازلهم. كل ذلك يعكس واقعًا هشًا يفرض نفسه كأولوية ملحة على طاولة النقاش العمومي.
داء الكلب، ذلك المرض الفتاك الذي ينتقل عبر لعاب الكلاب المصابة، لا يزال يشكل تهديدًا حقيقيًا للصحة العامة. في غياب التوعية الشاملة والوقاية الفعالة، قد تتحول عضات الكلاب الضالة إلى مأساة إنسانية، حيث إن هذا المرض غالبًا ما يكون قاتلًا إذا لم يتم التدخل الطبي السريع بعد التعرض للإصابة.
ومن هنا، يبرز تساؤل جوهري: هل تتوفر بلادنا على استراتيجية واضحة وفعالة للتعامل مع حالات التعرض لعضات الكلاب الضالة؟ وهل هناك برامج توعوية كافية لتحذير المواطنين من أخطار هذا المرض؟
إن تكرار مشاهد الكلاب الضالة التي تتجول بحرية في المدن والأحياء السكنية، لا يقتصر أثره على الداخل فقط، بل يمتد ليطال صورة المغرب على الساحة الدولية. كيف يمكننا التحدث عن بلد يسعى لتطوير قطاعه السياحي وتعزيز جاذبيته في ظل وجود مشاهد قد تثير استياء الزوار الأجانب؟
السياحة ليست فقط منشآت فاخرة ومواقع تراثية جذابة، بل هي أيضًا إحساس بالأمان والانضباط الذي يشعر به الزائر. إن وجود الكلاب الضالة قد يترك انطباعًا سيئًا لدى السياح، خاصة في المدن الكبرى التي تشكل وجهات سياحية رئيسية.
على الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الجماعات المحلية والجمعيات المدنية، إلا أن الحلول المعتمدة غالبًا ما تكون مؤقتة وغير مستدامة. عمليات الجمع الدوري للكلاب الضالة أو حملات التعقيم والتلقيح، رغم أهميتها، تظل غير كافية في غياب استراتيجية شاملة تعالج جذور المشكلة بدلًا من الاكتفاء بمعالجة مظاهرها.
الحل لا يكمن فقط في القضاء على هذه الحيوانات أو التخلص منها بطرق غير إنسانية، بل في اعتماد رؤية متكاملة تشمل:
– إنشاء مراكز إيواء متخصصة للكلاب الضالة.
– تنظيم حملات منتظمة لتعقيم وتلقيح هذه الحيوانات للحد من تكاثرها وانتقال الأمراض.
– إطلاق برامج توعية مكثفة لتحذير المواطنين من أخطار التعرض لعضات الكلاب وكيفية التصرف في حال وقوعها.
– تعزيز التعاون بين الجماعات المحلية والجمعيات المهتمة بحقوق الحيوان لإيجاد حلول إنسانية وفعالة.
إن معالجة ظاهرة الكلاب الضالة لا تتطلب فقط إرادة مؤسساتية، بل تستوجب أيضًا مقاربة شاملة تنطلق من احترام حقوق الحيوان ومعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة مثل التوسع العمراني العشوائي وتدهور البيئة الحضرية.
علينا أن ندرك أن هذه الظاهرة ليست مجرد قضية تخص الحيوان، بل هي مؤشر على مدى تقدم المجتمع ووعيه بضرورة التعايش المتوازن بين الإنسان والطبيعة. فهل سنشهد قريبًا تحولًا حقيقيًا في التعامل مع هذه الظاهرة؟ أم ستظل مجرد قضية عابرة تُثار في قبة البرلمان دون حلول ملموسة على أرض الواقع؟