صرخة الفنان كمال الطالياني من قاعات باريس إلى صمت المهرجانات الوطنية

صرخة الفنان كمال الطالياني من قاعات باريس إلى صمت المهرجانات الوطنية
مجلة 24

من عمق المهجر، وتحديدا من العاصمة الفرنسية باريس، ارتفعت صرخة الفنان المغربي كمال الطالياني، ليس احتجاجا على قسوة الغربة،بل على خُذلان المؤسسة الثقافية الوطنية. فنان نذر نفسه لخدمة التراث الشعبي المغربي، وحمل العيطة إلى المسارح الأوروبية، لكنه لم يحظَ في بلده الأم بالاعتراف الذي يليق بتاريخ وفائه. ابن الحي المحمدي بالدار البيضاء،تعود جذوره إلى مدينة آسفي، المدينة التي تنبض بالفن وتتفرد بروح العيطة الأصيلة، نشأ في بيئة مشبعة بروح الفن الشعبي، متأثرا برواد العيطة وسادة الإيقاع المغربي الأصيل. حمل في صوته ذاكرة مدينة، وفي روحه نبض وطن. ومنذ بداية التسعينيات، اختار الطالياني أن يغادر نحو فرنسا، لا فرارًا من الوطن، بل رغبةً في حمل صوته إلى أبعد مدى، وجعل الثقافة الشعبية المغربية جزءًا من المشهد الفني الدولي.

هناك، في باريس، نقل صوت العيطة إلى المسارح الأوروبية، حيث استقبلته الجالية المغربية والمغاربية بحفاوة واعتزاز، تقديرًا لفنه الصادق وجذوره المغربية العميقة.

ورغم كل هذا العطاء، لا يُستدعى الطالياني إلى المهرجانات الوطنية إلا نادرًا، وبمبادرات من بعض الأسماء النزيهة، لكن دون أن يُمنح ما يستحق من تقدير مادي أو معنوي. بل الأدهى، كما قال، أن الساحة الفنية الوطنية أصبحت مرتعًا لـ”سماسرة” المهرجانات و”وسطاء” البرامج الفنية، في غياب أي رقابة من الوزارة الوصية، رغم المراسلات المتكررة التي ظل الفنان يوجهها دون أن يتلقى حتى جوابا بالرفض.

وفي تواصله مع الجريدة، لم يُخفِ الطالياني أسفه العميق لما وصفه بـ”الجفاء المؤسساتي” الذي يطاله رغم كل سنوات الوفاء.”حين أشارك في تظاهرات داخل المغرب، فبفضل بعض الغيورين فقط، وغالبا دون أي تقدير معنوي أو مادي… راسلت المسؤولين مرات عدة، ولم أتلق حتى جوابا يشعرني بأن صوتي قد وصل”، يقول بأسى، وكأن الجرح أعمق من مجرد تجاهل.

ويضيف: “نعتز بانتمائنا، ونخدم صورة المغرب في الخارج بصدق لا تشوبه مصالح، لكننا نصطدم بجدار الزبونية والولاءات. نُقصى لأننا نرفض الانحناء، لأننا نؤمن بأن الفن رسالة، لا وسيلة للتملق. فهل يعقل أن يكون جزاء الإخلاص هو النسيان؟”

ما يعيشه كمال الطالياني ليس حالة فردية، بل نموذج لعدد من الفنانين المغاربة في المهجر الذين يعانون من التهميش المؤسسي، رغم كونهم سفراء حقيقيين للثقافة المغربية في الخارج. هؤلاء لا يطلبون امتيازات، بل مجرد إنصاف واعتراف بدورهم في تعزيز صورة المغرب دوليًا، بعيدًا عن الحسابات الضيقة.

إن إعادة الاعتبار لهؤلاء الفنانين ليست فقط مسألة أخلاقية، بل خطوة ضرورية نحو دمقرطة الفعل الثقافي، والانفتاح على كفاءات مغربية بصمت، قدّمت، ورفعت راية الوطن في محافل دولية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *