أزلو محمد يكتب: داء السل اللمفاوي: تحديات صحية ومعضلات تنموية في المغرب

في زحمة التحديات التي تواجه القطاع الصحي في المغرب، يبرز داء السل اللمفاوي كواحد من الملفات الشائكة التي تثير قلق المواطنين وتستدعي اهتمام الفاعلين في الحقلين الصحي والبيئي. فقد حذرت النائبة البرلمانية، سلوى البرادعي، من هذا الخطر المتزايد، مسلطة الضوء على معطيات مقلقة تشير إلى انتشار المرض بين فئات لم يكن يُعتقد سابقًا أنها عرضة للإصابة. جاء هذا التحذير ضمن سؤال كتابي وجهته البرلمانية إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، مطالبة باستعجالية التدخل لاحتواء هذه الأزمة الصحية.
لطالما ارتبط داء السل بفئات اجتماعية وظروف معينة، كالفقر وسوء التغذية وضعف المناعة. غير أن الجديد في هذه الأزمة الصحية هو تسجيل إصابات وسط فئات غير تقليدية، ما يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة المرض وسبل انتشاره المستجدة. هنا، تطرح البرلمانية احتمال وجود علاقة مباشرة بين هذه الإصابات وانتقال عدوى السل البقري، مشيرة إلى احتمال أن يكون المرض قد وجد منفذًا جديدًا للانتشار، سواء عبر استهلاك منتجات حيوانية غير خاضعة للمراقبة الصحية، أو من خلال الاحتكاك المباشر بالحيوانات المصابة.
فالسل البقري، الذي يُعد قريبًا من الناحية البيولوجية لمرض السل البشري، يمكن أن ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، وهو ما يعزز الحاجة إلى رقابة صارمة على منتجات الألبان واللحوم وسلاسل التوزيع. لكن ضعف المراقبة، سواء على مستوى الأسواق المحلية أو في المناطق الريفية، يجعل من هذا الملف حجر عثرة أمام الجهود الرامية لضمان سلامة الصحة العامة.
في قلب هذا الوضع الصحي المقلق، تبرز معضلة أخرى لا تقل خطورة: تداخل الاختصاصات بين مختلف القطاعات الوزارية المعنية. فالبرلمانية البرادعي انتقدت، بشدة، غياب التنسيق الفعال بين وزارة الصحة ووزارة الفلاحة، مشيرة إلى أن هذا التداخل يعيق الجهود الرامية إلى تطويق بؤر العدوى المحتملة. إن التصدي لداء السل اللمفاوي يتطلب استجابة متعددة الأبعاد، تتضافر فيها الجهود بين القطاعات المختلفة، بدءًا من الرصد البيطري للحيوانات المصابة، وصولًا إلى تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة المرض.
يكشف تحليل الوضع الحالي عن مجموعة من العوامل التي ساهمت في تفاقم خطر انتشار داء السل اللمفاوي، لعل أبرزها:
1. محدودية الوعي المجتمعي: يعاني العديد من المواطنين من نقص المعرفة بأعراض داء السل اللمفاوي وطرق انتقاله، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة.
2. ضعف الرقابة الصحية: لا تزال بعض سلاسل توزيع الحليب ومشتقاته تعاني من غياب الرقابة الصارمة، ما يفتح الباب أمام تسرب منتجات غير آمنة إلى الأسواق.
3. غياب الصرامة في مراقبة اللحوم: في ظل ضعف الإجراءات الرقابية في بعض المسالخ أو الأسواق، يمكن أن تصبح لحوم الأبقار المصابة مصدرًا لنقل العدوى.
هذه العوامل تعكس، بوضوح، الحاجة إلى استراتيجيات شاملة ومتكاملة للحد من انتشار المرض، خصوصًا في ظل ما يشهده المغرب من تحولات اجتماعية وبيئية قد تزيد من تعقيد المشهد.
في هذا السياق، وجهت البرلمانية سلوى البرادعي تساؤلات مباشرة إلى وزير الصحة حول التدابير التي تم اتخاذها لتطويق الوضع. فقد شددت على ضرورة تفعيل آليات التقصي الوبائي المشترك بين وزارة الصحة والمصالح البيطرية، بالإضافة إلى تعزيز برامج الرصد والتتبع الصحي في المناطق التي يُشتبه في تفشي المرض بها. كما دعت إلى توضيح طبيعة التنسيق القائم بين مختلف القطاعات المعنية لضمان السلامة الصحية للمستهلك المغربي، سواء من خلال تشديد الرقابة على المنتجات الحيوانية أو عبر حملات توعية تستهدف الفئات الأكثر عرضة للخطر.
لا يمكن اختزال التصدي لداء السل اللمفاوي في حلول قطاعية أو إجراءات مؤقتة. بل المطلوب هو رؤية متكاملة وشاملة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الأزمة. فمن جهة، يجب تعزيز قدرات النظام الصحي على رصد الأمراض المعدية والتعامل معها بفعالية. ومن جهة أخرى، يتعين تقوية الرقابة على المنتجات الحيوانية وتطوير برامج دعم الفلاحين الصغار لضمان التزامهم بالمعايير الصحية.
علاوة على ذلك، فإن نشر الوعي بخطورة المرض وأعراضه يُعد ركيزة أساسية لأي استراتيجية ناجحة في هذا المجال. فبدون وعي مجتمعي كافٍ، ستظل الجهود الرسمية قاصرة عن تحقيق أهدافها، وستبقى صحة المواطن المغربي عرضة للخطر.
في عالم تتزايد فيه التحديات الصحية والبيئية، يبرز داء السل اللمفاوي كجرس إنذار يُحتم على الجميع، من مواطنين ومسؤولين، التحرك بجدية وفعالية. فالصحة العامة ليست رفاهية، بل هي ركيزة أساسية لأي تنمية مستدامة. إن مواجهة هذه الأزمة تتطلب من الجميع التزامًا حقيقيًا، يقوم على التعاون بين مختلف القطاعات، والاعتماد على العلم والمعرفة كركائز أساسية لصياغة الحلول.