افتتاحية مجلة 24: تطبيعهم وتطبيعنا مجرد محاولة في فهم ما جرى ويجري

افتتاحية مجلة 24: تطبيعهم وتطبيعنا مجرد محاولة في فهم ما جرى ويجري
بقلم فؤاد الجعيدي


أولا : هي دعوة للنقاش الهادئ.
ثانيا :هي دعوة لتجاوز المواقف الجاهزة والمحنطة والتي اكتسبناها منذ نكسة 1967.
ثالثا: أن الاختلاف في الرأي، لا ينبغي أن يشكل لحظات عداء بين المواقف المتعارضة ولا يجوز أن نستخدم فيه أحكاما قبلية وجاهزة تذهب إلى حدود التخوين.
رابعا: من الواقعية الالتزام بالجرأة والشجاعة السياسية، في التعاطي مع الواقع الملوس، بعيدا عن الاستئناس بالأوهام، التي عشناها زمن الحرب الباردة، والتي لا زالت تخلف حنينا ماضويا في قلوبنا ومشاعرنا.
خامسا: لا ثم لا، لكل المزايدات التي تروج لها دول دفاعا عن مصالحها، ولا ينبغي لرشدهم أن تكون له الغلبة على رشدنا.
القضية الفلسطينية عرفت في تاريخها تحولات كبرى منذ العام 1977، وهي القضية الوحيدة التي تحرك معها الشارع العربي من الخليج إلى المحيط، تحت وطأة الانتكاسات المتوالية، وشكلت على امتداد تاريخها الوجدان العربي، المقهور والمنهزم والمتخلف والذي لم يجد بطلا قوميا يجسد تطلعات شعوبه للانعتاق والتحرر من الأوهام، بعد نهاية الناصرية.
القضية الفلسطينية بين أسولو ومدريد وواشنطن، توهجنا معها ومع كبار مفاوضيها، حنان العشراوي وصائب عريقات، ولم ننتبه لماذا كنا نطلق عليهم تسمية الكبار، الذين لا يحصدون سوى مكاسب صغيرة في مسلسل سلام متمنع.
لا زالت صورة الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات تسكن ذاكرتي وهو يجالس مناحيم بيغن برعاية الرئيس الأمريكي وقد توجه رئيس دولة إسرائيل، لعرفات صاحب فكرة سلام الشجعان بالقول صرت يهوديا فرد الراحل عرفات بابتسامته المعهودة وقال: جدي ابراهيم عليه السلام.
كانت معاول الحكمة من الزعيم عرفات تدق في الوجدان العربي المتكلس، لإحداث فجوات لهبوب رياح التعاطي الجديد، مع القضية الفلسطينية باعتبارها أولا وأخيرا قضية الشعب الفلسطيني، أدرك أن السياسة الدولية تلتف حولها لقضاء مآرب الدول في تدويل مصطنع وقابل للتسويق حسب الظروف والسياقات.
اليوم الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن، يعلن جهرا وبدون لف ولا دوران ( أنه يريد الالتقاء مع جيل الشباب في اسرائيل، الجيل الذي نعمل هذه الأيام من أجل مستقبله من أجل أن يعيش بأمن واستقرار في هذه المنطقة) ثم يضيف ( أن المسلم الذي يقول، أنني ضد اليهودي فقد كفر ) ويؤكد أنه يستمع للموسيقيين الإسرائيليين كل يوم ويذكر منهم الذين يطربونه.
هذا هو الموقف الرسمي الفلسطيني، الذي يعبر عنه رئيس السلطة الفلسطينية. وقالت الأعراب أهل مكة أدرى بشعابها، والراحل صائب عريقات لما أصابه، والوباء الملعون لكوفيد19 قصد المستشفى الاسرائيلي للعلاج.
هذه هي معطيات الواقع الملموس، الذي تعمل الحجب على إخفائها، ونشر الأوهام حولها.
الأمن والسلام هي المصلحة الحيوية للشعوب، للتمتع بالحق في الحياة.
في المغرب الأقصى عشنا صراعا مريرا، امتد ل 45 سنة، أزهقت فيه الأرواح وخلف معطوبين ويتامى وأرامل، وكلفت هذه الحرب الغادرة، بلادنا في أواسط السبعين والثمانين أموالا طائلة من أجل الحفاظ على سيادتها الوطنية، في حق تم التنازع حوله بإيعاز من الجيران وبإيعاز من طغمة عسكرية ما كان لها لأن تستمر لولا اصرارها على تصدير تناقضاتها ورغبتها في خنق المجتمع الجزائري وحرمانه من نسائم التغيير الديمقراطي.
اليوم الولايات المتحدة الأمريكية، تعترف بسيادتنا الوطنية والفضل كل الفضل، يعود لعاهل البلاد، الذي أعلن منذ اعتلائه العرش، أنه سيعمل على الحل النهائي للمشكل المفتعل، وما خاب في إصراره العظيم، بالتفاف كل القوى الحية بالبلاد والقوى العاملة وعموم الجماهير، لخدمة الأمن والسلام، ومواجهة القوى الإرهابية النائمة في أحضان نعيم حركة البوليساريو والتي أكدت الأحداث الميدانية، أنها عناصر مؤلفة في قواعدها من قطاع الطرق والمتاجرين في السلاح وفي المؤونات والمساعدات الإنسانية الدولية.
حركة تضم اليوم ثمانون ألف مسلح قابل للانتحار والانفجار، من أجل حفنة من دولارات ويقيمون فوق التراب الجزائري. هذه الجزائر التي يدعي ساسة عسكرها أن حدودها مهددة وما عوامل التهديد سوى هذا الإرث الذي عمر 45 سنة، ولن تقو على التخلص منه سوى باستحضار الحكمة في العيش الآمن والابتعاد عن اللعب بالنار.
لنقلها بشجاعة الشجعان الوطنيين، أن الإعلان الأمريكي بمغربية الصحراء، حدث تاريخي بكل المقاييس، وفاتحة مرحلة ستغير وجه المنطقة ، التي تحظى بكل المؤهلات الطبيعية في تشابه مع منطقة البحر الأحمر، لتكون أفقا لاستقطاب رؤوس االأموال والنهوض المشروع بمتطلبات المغرب الحداثي والديمقراطي.
في هذا الزخم من الأحداث والتحولات، طرحت قضية التطبيع مع اسرائيل، من يربط الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والتطبيع، لا ذاكرة له. مليون مغربي يهودي يعيش بمدينة أشدود خامس المدن الإسرائيلية والطائفة الثانية بعد الروس، ولهم تأثير ونفوذ قوي في السياسات الإسرائيلية، هؤلاء تظاهروا بقوة ورفعوا الأعلام الوطنية المغربية وهتفوا بمغربية الصحراء وملك البلاد، لما تعرضت معابر الكركرات للاعتداء من طرف البوليساريو، هؤلاء المواطنون الاسرائيليون لهم امتدادات في تاريخنا الوطني وروابط بالوطن الأم، حافظوا وفي قلب إسرائيل على كل العادات والطقوس التراثية المغربية، في بيوتهم وأفراحهم، ولم يبدلوا تبديلا في عشقهم للوطن، ولهم عادات في العبادات لا تكتمل إلا بزيارة أضرحة أوليائهم بالمغرب وهم من أهل الكتاب. ولم يتناسوا الروابط التي جمعتهم بالمغاربة المسلمين والعيش المشترك. وظل حنينهم للوطن لا تزيغ عنه العين.
هذا هو تراثنا في التطبيع التاريخي مع الإسرائيليين كما للفلسطينيين تطبيعهم الذي لم يكتمل في هذه المرحلة التاريخية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *