اليوم العالمي لحقوق الإنسان ..

يحتفل العالم بذكرى ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” ، الذي صادقت عليه اللامم المتحدة عام 1948 ، و الذي يضم ثلاتين مادة و ديباجة دقيقة الحرف و الماهية ، من أجل توثيق الذاكرة و حفظها من الزوال .
و للإشارة فالمحامي الكندي المشهود له بكرهه للظلم ؛ ” جون بيترز همفري ” هو من وضع المسودة الأولى لأعظم نص حقوقي في تاريخ البشرية . و كانت هذه المسودة الأولية طويلة ، و جاءت في أربعمائة صفحة بما يعكس رفض هذا المحامي للحيف و القهر ، أي في نفس حجم أي كتاب مقدس لأي دين من الأديان المنتشرة في العالم . و كل مواد الكتاب تشير الى تقديس الإنسان ؛ باعتباره ذاتا مقدسة غير قابلة للإنتهاك .
حددت الوثيقة ، و لأول مرة في التاريخ ، و بشكل مفصل ، الحريات الأصيلة للإنسان من دون مواربة أو تردد أو استثناءات . و منها ، على سبيل المثال لا الحصر ؛
حرية التعبير ..
حرية التجمع ..
حرية الضمير ..
التحرر من الخوف ..
التحرر من الحاجة ..
التحرر من العوز و الجوع ..
الحق في الكرامة .. و كان نص المحامي ” همفري ” أول نص دقيق و متخصص يتوجه إلى البشر جميعا ، دون تمييز على أساس الجنس ، أو العرق ، أو الدين ، أو اللغة ، أو الموقع الاجتماعي … و بعد هذا النص المؤسِّس ؛ ستتحول هذه الوثيقة الأساس إلى نص مختصر مفيد هو ؛ ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لعام 1948 ، المشكّل من تلاثين مادة كعاصرة دقيقة للنص الأول . و كانت تلك المواد خلاصة للتطور الأخلاقي و السياسي و القيمي و الفلسفي الذي راكمته البشرية جمعاء ، طيلة قرون من مقاومة الظلم و الحيف في مختلف جغرافيات الظلم في العالم . و هذا الاعلان الأممي يعتبر نصا مؤسِّسا للشُّرعة الدولية لحقوق الإنسان ( الشُّرعة و ليس الشَّرعة أو الشِّرعة ) . و لذلك نجد مختلف العهود الدولية لحقوق الانسان ، و مختلف الإتفاقات و المعاهدات و الصكوك .. تجد ملاذها في روح الإعلان الأممي المصادق عليه عام 1948 . و مهما كان الإرث الحقوقي متشعبا بين النصوص القانونية الممتدة من ” حمو رابي ” صاحب قانون الألواح الإثني عشر ، الى ” صولون ” و ” دراغون ” ، الى نظريات الفلسفة السياسية لرواد عصر الأنوار بفرنسا ، مع روسو و فولتير و مونتسكيو و ديدرو ، و بإنجلترا ، مع جون لوك و طوماس هوبز ، نحو الميثاق الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن نهاية القرن الثامن عشر ، و ميثاق انجلترا لحقوق المواطن ، ثم الى ميثاق الأمم المتحدة الإساسي لعام 1945 ، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبق لحظة مفصلية حاسمة . و هذا الثرات الحقوقي ، للتذكير ، تقاطع مع تجارب دينية متعددة في سياقات استلهام الدرس الحقوقي لصالح الكرامة الأدمية ، بعيدا عن تجليات الوثوقيات و الدوغمائيات باسم المقدس التيولوجي الخاضع للقراءات الفقهية / الإكليركية المتزمة و المنتصرة للإصطفافات الضيقة . و بهذه المناسبة الحقوقية الأممية اليوم الأممي لحقوق الإنسان ؛ نتذكر أرواح كبار المناضلين الذين ناضلوا لصالح كرامة الإنسان ، بصرف النظر عن أي تصنيف آخر سوى روح الأدمية العابرة لكل الإيديولوجيات و الأديان . فالرعيل الأول المؤسِّس تحمل ويلات التعذيب في سجون الذل بجنوب إفريقيا ضد الأبارتايد و بأمريكا اللاثنية ضد الإستبداد و بمختلف بقاع القهر السياسي المؤطر ضمن ما تمسيه حنة أرندت ب ” الطوطاليتاريا الرسمية ” من أجل إعلاء شأن الحقوق ؛ علاوة على نضال النساء الأمريكيات اللائي داهمهن الموت حرقا بمصنع الثوب ببلاد العم سام عام 1908 ليؤرخ العالم بذلك لليوم العالمي للمرأة ؛ و الذي يصادف الثامن من مارس من كل سنة ، نحو ” نلسون مانديلا ” الذي كافح استبداد ” أبارتايد ” عنجهية البيض الإمبريالية بجنوب افريقيا متحملا اقل بقليل من تلاثة عقود من الزنازل دون أن يصبح عنصريا ضد البيض ، إلى ” نعوم تشومسكي ” الذي يكتب للحقيقة بعيدا عن تداعيات سلطة الإنتماء مناهضا شرسا للحروب الدينية باسم الأساطير كما هو شأن الصراع بالشرق الأوسط ، نحو باقي عظماء الأسرة الحقوقية الدولية الذين قدموا تضحيات كبرى لصالح إحقاق الحقوق و نبذ الظلم . فالذكرى إذن تذكرنا بحجم التراجيديا التي تحملها الكائن البشري طيلة قرون خلت من العبودية و السخرة و الإستغلال و اغتصاب كرامة الانسان منذ أزمنه المشاعة البدائية و النظم العبدية و الفيودالية . فمنذ أن كان الوجود كان الإستعباد تجل للبطش البشري وفق نظيمة القوة لا الحق ؛ و لعل الحربين العالميتين الأولى و الثانية ، خير مثال لفظاعة الفعل و لبشاعة ما حصل من سفكٍ للدماء بزهق أكثر من خمسين مليون روح ، هذا ناهك عن ملايين الجرحى و التكالى و المعطويين . و لذلك تأكد للضمير الإنساني إن الجشع يفضي الى الهمجية على أنقاض كرامة الإنسان . و لذلك بمجرد ما وضعت الحرب الدولية الثانية أوزارها ، عمل المنتظم الدولي على استصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كنص مؤسِّس لعصر جديد عنوانه السلم و الأمن الدوليين ، من أجل تجاوز عصور الهمجية و التوحش الذي كان يتجلى سخرة و فيودالية و كومبرادورية و امبريالية و كولونيالية و حيوانية باسم الطمع و الجشع و التنافس حول المجال الحيوي . إن ميلاد فلسفة حقوق الإنسان ، بُناء على ما سلف ، كان من أجمل لحظات انبثاق فجر الكرامة الأدمية وسط ظلام جحيم ” الحٌكرة ” و الإهانات التي طالما تلحق الإنسان تحت دواعي متنوعة . و من ميثاق الأمم المتحدة ، الى الإعلان الأممي لحقوق الإنسان ، نحو العهدين الدوليين و ما لحقهما من بروطوكولات ؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، و قبله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، و البروتوكول الإختياري الأول الملحق بالحقوق المدنية و السياسية ثم البروطوكول الثاني الملحق ، في اتجاه مختلف الإتفاقات و المعاهدات و الصكوك ؛ يتجه العالم الى تجاوز مراحل الهمجية ، بمأسسة الفقه الحقوقي الإنساني على ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان ، و القانون الدولي الإنساني و اتفاقيات جنيف.