محكوم بـ 100 عام سجنا نافذا.. تسليم وزير فارّ اختبار جديد للعلاقات الجزائرية – الفرنسية

ينتظر القضاء الجزائري تسليم وزير سابق عمل في حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة متهم بالفساد من قبل السلطات الفرنسية، في خطوة يرى مراقبون أنها تمثل اختبارا واضحا لواقع العلاقات بين الجزائر وباريس في ظلّ التوتّر القائم.
تمر العلاقات الجزائرية الفرنسية، باختبار جديد محوره وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، المطلوب للقضاء الجزائري، بينما توجه هو برسالة للقضاء الفرنسي لعدم تسليمه إلى سلطات بلاده، ليشكل بذلك عقدة جديدة يسمح فكها بتطبيع العلاقات من جديد، أما استمرارها فسيزيدها فتورا وتأزيما.
وتتوجه الأنظار في الجزائر وفرنسا، إلى ما سيقرره القضاء الفرنسي، في ما يتعلق بطلب السلطات الجزائرية تسليمها الوزير الأسبق في حكومات الحقبة الماضية، المحكوم عليه غيابيا في عدة ملفات حيث وصلت العقوبات إلى 100 عام سجنا نافذا.
وسيحمل القرار أبعادا سياسية، في ظل الأزمة القائمة بين البلدين منذ اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، وما لحقه من سحب للسفير الجزائري في باريس، فهو يمثل اختبارا حقيقيا لعودة التطبيع بين الطرفين، ففي حال كان الحكم إيجابيا بالنسبة للجزائريين يكون فرصة لفتح صفحة جديدة، أما إذا كان سلبيا فإنه سيعمق الأزمة بينهما.
وإذ تنظر فرنسا للملف بعيون القانون والتشريعات الناظمة لحالة وزير الصناعة، حيث سبق لقضائها أن رفض تسليم مطلوبين جزائريين بدعوى النشاط السياسي وعدم وجود ضمانات على سلامة حياتهم، كما هو الشأن بالنسبة للمدون المعارض أمير بوخرض ” أمير دي زاد “، فإن الجزائر تعتبره فرصة للسلطات الفرنسية لإثبات نواياها في تطبيع العلاقات معها.
متابعون للشأن الجزائري يرون أن السلطات الجزائرية غير متحمسة حيال رسائل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
وتعول الجزائر على الرسائل الإيجابية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ إعلان تبون رئيسا للمرة الثانية، حيث كان أول المهنئين له وأرسل له مستشارته الخاصة، فضلا عن تعبيره عن عزمه مواصلة تسوية ملف التاريخ والذاكرة المشتركة بين البلدين، في آخر تصريح له.
وكان عبدالسلام بوشوارب، وزير الصناعة خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، قد طلب من القضاء الفرنسي رفض تسليمه إلى الجزائر، أين تنتظره عقوبات ثقيلة بتهمة الفساد وتهريب الأموال إلى الخارج، فضلا عن اعتباره طلب التسليم ينطوي على أغراض سياسية في إطار تصفية حسابات وانتقام من وجوه المرحلة السياسية السابقة في البلاد.
وينتظر أن تنطق محكمة الاستئناف “إيكس-أن-بروفانس” في التاسع من شهر أكتوبر الداخل، بالقرار الذي تقدمت به السلطات الجزائرية للقضاء الفرنسي من أجل تسليمها الوزير المذكور.
وناشد محامي المتهم بنجامين بوهبوت، القضاء الفرنسي بـ”عدم الموافقة على ترحيل موكله، بدعوى أن هذه الأحكام لا تتوافق مع المعايير الدولية، وأن الملاحقات القضائية ضده تأتي في إطار تصفيات سياسية مرتبطة بحملة تطهير البلاد من حقبة الرئيس الراحل بوتفليقة”.
وتتزامن تطورات الملف، مع أزمة سياسية بين البلدين، بالموازاة مع رسائل تقارب أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، على هامش انتخاب الرئيس تبون، لولاية رئاسية ثانية، حيث كان أول الرؤساء المهنئين له، عكس الانتخابات التي جرت في 2019، كما أوفد له مستشارته الخاصة.
وتتعامل المحكمة الفرنسية مع ثمانية طلبات تسليم قدمتها السلطات الجزائرية لاستلام الرجل، ثلاثة منها تتعلق بفتح ملاحقات قضائية، وخمسة لتنفيذ أحكام بالسجن تصل إلى 20 عاما لكل منها، بالإضافة إلى غرامات مالية، ومصادرة ممتلكاته بتهم الفساد، والرشوة، وتضارب المصالح، واختلاس الأموال العامة.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه “مصمم على مواصلة عمل الذاكرة والحقيقة والمصالحة مع الجزائر” على خلفية الاستعمار الفرنسي، رغم التوترات.
وقالت الرئاسة الفرنسية بأن ماكرون أعرب خلال لقاء عقد في قصر الإليزي مع مؤرخين، عن “رغبته في نجاح العمل الذي تجريه لجنة المؤرخين الفرنسية – الجزائرية، وفي تنفيذ المقترحات الملموسة التي صاغتها اللجنة المشتركة”.
وكانت اللجنة المشتركة قد تعثرت جهودها خلال الأسابيع الماضية رغم الخطوات التي قطعتها، حيث ذكرت مصادر جزائرية، بأن فرنسا لا زالت ترفض تسليمها بعض أغراض مؤسس المقاومة الجزائرية الأمير عبدالقادر، وبعض الآثار المهربة خلال الحقبة الاستعمارية.
وأضاف الإليزي بأن “ماكرون يأمل أن تسمح هذه المقترحات لبلادنا بإلقاء نظرة واضحة على الماضي وبناء مصالحة على مستوى الذاكرة في المدى البعيد، في عملية تعليم ونقل للشبيبة الفرنسية والجزائرية”.
لكن متابعين للشأن الجزائري، يرون بأن السلطات الجزائرية، لا تنظر لرسائل ماكرون بحماس، وما يهمها هو موافقة القضاء الفرنسي تسليمها عبدالسلام بوشوارب، بما يمثله من ثقل في أجندتها وخطابها حول محاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، ومعاقبة الوجوه التي تلاعبت بمقدرات الجزائريين.
وكانت الرئاسة الجزائرية قد برمجت زيارة الرئيس تبون، إلى فرنسا نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر القادم، منذ عدة أشهر وحتى قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية، لكن القرار الفرنسي بالاعتراف بمغربية الصحراء، فخخ العلاقات مجددا حيث قامت الجزائر بسحب سفيرها سعيد موسي من باريس، ووصفت خارجيتها القرار بـ”النظرة الاستعمارية التي تمنح ما لا تملك إلى الذي لا يملك”.