مادورو يعرض بئره النفطي على طاولة ترامب : قمار في لعبة القوة مقابل تسوية إستراتيجية
في خضم التوتر المتصاعد بين واشنطن و كراكاس، يبدو أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحاول إستغلال ثرواته النفطية كأوراق تفاوضية قوية مع إدارة ترامب، في صفقة يمكن أن تعيد رسم علاقات الطاقة و الجغرافيا السياسية في أميركا اللاتينية. عروض مادورو، بحسب مصادر مطلعة، لا تُعد مجرد خطوات إقتصادية ــ بل استراتيجية عميقة لتأمين النظام و تحويل الصراع إلى شراكة على حساب خصومه التاريخيين.
مادورو يفهم جيدًا قوة النفط الفنزويلي : الدولة، رغم سنوات العقوبات و الإنتاج المتهاوي، تنتج نحو 1.1 مليون برميل يوميًا، و هي طاقة إنتاجية يمكن إعادة توجيهها من أسواقها التقليدية مثل الصين إلى الولايات المتحدة، إذا وُجِد اتفاق سياسي يتيح ذلك.
وفقًا لتقارير عدة، عرض مادورو على واشنطن إمكانية منح الشركات الأميركية وصولًا تفضيليًا إلى جميع مشاريع النفط و الذهب الفنزويلية ــ الحالية و المستقبلية..
هذا لا يشمل إعادة توجيه النفط المصدر إلى الصين فحسب، بل تقليص التعاون مع دول مثل إيران و روسيا و الصين في قطاعي الطاقة و التعدين.
من جهة أخرى، يمكن أن يتضمن الإتفاق إستعادة تراخيص التشغيل الأميركية في قطاع النفط الفنزويلي. مثل هذه التراخيص قد تتيح لشركات مثل شيفرون العمل بحرية أكبر، ما يعني ليس فقط فرصًا تجارية كبيرة لواشنطن، بل أيضًا دعمًا ماليًا مهمًا لحكومة مادورو.
لكن القصة لا تنتهي عند الجانب النفطي وحده. مادورو، بحسب المصادر، قد يعرض أيضًا حماية الاستثمارات الأميركية في بلاده، كجزء من حزمة أمان لمنح واشنطن الثقة بدخول السوق الفنزويلي مجدّدًا دون الخشية من مصادرة الأصول أو التدخل السياسي.
مع ذلك، ليست كل المعطيات في صالح مادورو : السوق النفطي العالمي حاليًا يتميز بإستقرار الأسعار المنخفضة، و هو ما يقلّل من قوة ورقته التفاوضية.
كما أن تاريخ الإستثمارات الأجنبية في فنزويلا يحمل مخاطر كبيرة، بسبب تجارب سابقة في مصادرات الأصول و عدم إستقرار العلاقات مع شركات غربية.
من جهة الولايات المتحدة، ترحيبها بهذه العروض ليس مضمونًا بالكامل؛ فحتى لو سمحت ل “شيفرون” بالعودة، تفرض واشنطن رقابة عالية على الصفقات لضمان ألا يعود المال النفطي لدعم ما تعتبره حكومة ديكتاتورية.
و في الوقت نفسه، تثير هذه المفاوضات تساؤلات أوسع حول إستراتيجية واشنطن في أمريكا اللاتينية : هل هي محاولة لإضعاف نفوذ طهران و روسيا والصين، أم أنها مجرد مناورة سياسية و إقتصادية من الطرفين ؟
في النهاية، ما يعرضه مادورو لترامب ليس فقط براميل من النفط، بل إمكانية لإنشاء تحالف إقتصادي جيوسياسي، يضمن له بقاءًا داخليًا و يمنح واشنطن ورقة قوية في مواجهة خصومها. لكن نجاح هذه الخطوة يعتمد على ما إذا كانت أميركا مستعدة لقبول ذلك كنقطة توازن، و ليس خطوة خضوع.

