الجديدة تحتضن مؤتمرا دوليا حول تحديات السياسة اللغوية التعليمية

احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، يوم الأربعاء 30 أبريل 2025، فعاليات النسخة الأولى من المؤتمر الدولي حول السياسة اللغوية التعليمية، بإشراف علمي من الأستاذين مروان زاخر ورضوان تاشيكارت، ومشاركة نخبة مرموقة من الأساتذة الجامعيين والخبراء من المغرب وعدة دول شريكة. ويأتي هذا الحدث الأكاديمي البارز في سياق الانفتاح المتنامي على قضايا اللغة والتربية، وتنامي الحاجة إلى إعادة التفكير في سياسات تعليم اللغات في ضوء التحولات الدستورية والاجتماعية والثقافية.
المؤتمر شكّل منصة فكرية خصبة لنقاش إشكاليات معقدة تتقاطع فيها اللغة بالهوية، والسياسة بالإعلام، والتعليم بالتحول الرقمي. وقد تميز البرنامج العلمي بجودة المداخلات وتنوع المقاربات، مما أضفى على اللقاء طابعًا حيويًا وجاذبًا.
من بين المساهمات البارزة، جاءت مداخلة الدكتور سعيد شكاك، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي، التي تناولت موضوع الإعلام ولغات التدريس في الوطن العربي: الفرص والتحديات. وقد سلط الضوء على الفجوة القائمة بين لغة الإعلام ولغات التدريس، واعتبر أن هذا التباين اللغوي يكرس نوعًا من الانفصال الهوياتي والمعرفي لدى المتعلمين، محذرًا من أن استمرار هذا الانفصام يُضعف البناء اللغوي لدى الناشئة. ودعا إلى صياغة سياسة لغوية تعليمية مندمجة تراعي التحولات المجتمعية والتكنولوجية، وتربط بين الحقول التربوية والإعلامية بخيط لغوي مشترك. وأكد أن الإعلام المتخصص في قضايا اللغة قادر على لعب دور محوري في ترسيخ الوعي الجماعي بأهمية لغات التدريس في التنمية الثقافية والعلمية، شريطة أن يتبنى خطابًا مهنيًا يعزز التعدد ويواكب الإصلاحات.
وفي مداخلة عميقة حملت بعدًا تحليليًا ودستوريًا، تناول الدكتور نجيب جيري، أستاذ الإدارة والمالية العامة، سؤال الهوية في علاقته باللغة في ضوء دستور 2011، معتبرًا أن هذا النص التأسيسي شكّل منعطفًا حاسمًا في بلورة هوية مغربية قائمة على التعدد والانفتاح، من خلال التنصيص على ترسيم الأمازيغية إلى جانب العربية. ورأى أن التحدي اليوم لا يكمن في التنصيص الدستوري وحده، بل في التفعيل العملي والفعّال لهذه التعددية اللغوية، عبر قوانين تنظيمية واضحة ومبادرات تعليمية شاملة، تضمن إدماج البعد اللغوي في كل السياسات العمومية.
أما الدكتور عبد الوهاب البقالي، الأستاذ بالكلية ذاتها، فقد ناقش تحولات اللغة والخطاب لدى الفاعلين السياسيين بالمغرب، مشيرًا إلى أن اللغة السياسية في العقود الأخيرة خضعت لتحولات جوهرية بفعل التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، حيث لم تعد أداة تواصل فقط، بل صارت وسيلة للتأثير وصناعة الرأي العام. وأبرز أن الخطاب السياسي بات يميل إلى البساطة والتكيّف مع منطق وسائل التواصل الاجتماعي، مما يطرح تساؤلات حول مصداقية الرسائل السياسية وجودتها.
ومن جهته، توقف الدكتور حرشيش عند خصوصيات اللغة القانونية، معتبرًا إياها أحد أكثر أنماط التعبير دقة وتعقيدًا. وأكد في مداخلته أن فهم واستيعاب اللغة القانونية يتطلب مقاربات تربوية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار البعد الاصطلاحي والدلالي لهذه اللغة، ضمانًا لنجاعة التكوين القانوني وعدالة التطبيق.
المؤتمر لم يكن مناسبة لتبادل الأفكار فقط، بل شكل أيضًا فضاءً للطلاب الباحثين للاحتكاك المباشر بخبراء المجال، وتعزيز انخراطهم في النقاشات الراهنة التي تعيد مساءلة أسس السياسة اللغوية في المغرب، وتبحث عن صيغ تربوية جديدة تنسجم مع الرهانات التنموية والثقافية للمرحلة الراهنة.